تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 04 - 2010, 09:31 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ):

فذلك من كمال عنايته، عز وجل، بنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فناسب ذلك التذكير بالمضارع استحضارا لصورة قد انقضت، فالسورة مدنية، والحدث المشار إليه قد وقع في مكة لما أجمعت قريش أمرها على تقييد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو قتله أو نفيه، فجاء التذكير للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك المكر، فأرادوا به الكيد: إثباتا بالقيد والأسر، لئلا يصل إلى الناس بحجته الدامغة وعبارته الجامعة، فلا بد من الإثبات، حسا ومعنى، فيثبت الجسد في القيد، فذلك الإثبات الحسي، ويثبت القول الذي يدعو إليه بإثارة الشبهات حوله وحول صاحبه تنفيرا منه، فذلك دور منابر الإعلام قديما وحديثا، وذلك هو الإثبات المعنوي، فكثير من الناس يستعير منطوق ومعقول غيره ليحكم به على الأشياء، لا سيما إن عدم معقولا صريحا ومنطقا سليما فيردد ما يلقى عليه من الشبهات دون تحر لصحة لفظ أو معنى، فليس له من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) نصيب، بل قد رضي أن يكون أحد الفاسقين، بتصويته بما لا يعلمه، فهو على وصف من جاءوا بالإفك، ولو علم الله، عز وجل، فيه خيرا لحجب عنه الشبهات، وأطلعه على الحقائق المحكمات، ولكنه بعدوله عن طلب الحق، واشتغاله بتحصيل أمر دنياه، جمعا وإنفاقا، فلا يعرف إلا جمع المال من حل أو حرام لينفقه على شهوات تدور بين التحريم أو الكراهة بالإفراط في تعاطي المباحات على نحو يورث في النفس غلظة وفي البدن ثقلا عن الطاعة، بعدوله عن الفاضل إلى المفضول بل المرذول من أمر الدنيا صار أهلا لأن يلقى في سلة عقله مهملات الشبهات، إذ لم يتخير لعقله فدس فيه ما دس من الواهيات والموضوعات المختلقات، فلا تعدو الشبهة أن تكون نقلا ضعيفا ينضاف إليه فهم سقيم، يتربص صاحبه الدوائر بالحق، فيزيد فيه ما ليس منه من الخبر الكاذب، ويركب عليه من القياس الفاسد ما يجعله لكل ذي عقل صريح ممجوجا منبوذا، تأباه العقول السوية، وإن لم تعرف جهة الدس فيه تحديدا، فللحق نور به يسطع في القلوب المحفوظة بشهب الوحي فهي رجوم للشبهات والشهوات، وللباطل ظلمة لا تغشى إلا القلوب المنكوسة التي أوحى إليها شياطين الإنس والجن ما استرقوه من السمع فزادوا عليه مقدمات ونتائج فاسدة لا يرضاها إلا أصحاب النفوس الباطلة، فهي من كل فضيلة عاطلة، فأنى لها أن تعلم الحق بدليله فتتبعه على جهة التسليم والانقياد، فتلك رتبة ذوي الهمم العلية الذين فتشوا في مقالات الأمم عن الحق حتى وجدوا ضالتهم في مقالة الإسلام وقصص أولئك الشرفاء قد سارت بها الركبان في كل الأعصار والأمصار، فلا يخلو زمان أو مكان عن طالب للحق، مسترشد، قد بذل الدنيا في طلب الآخرة، فهل يستوي هو ومن جاءه الحق ابتداء فزهد فيه وأعرض عنه واستبدل الذي هو أدنى من وحي الشياطين بالذي هو خير من وحي النبيين: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).

فمكروا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقيدوا جسده الشريف أو قوله الصحيح الصريح، فأنجاه الله، عز وجل، ببدنه، وأنجى مقالته من لغوهم، فذكره مرفوع وذكر عدوه، وإن ظهر حينا، موضوع، ومكروا به صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقتلوه، فطمس الله، عز وجل، على بصائرهم، فـ: (جَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)، فكما جعل بين قلوبهم وبين الحق سدا، جعل بين أبصارهم وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حال خروجه في سفر الهجرة سدا، ثم كان ما كان من آية الحفظ والعناية في الغار، ثم التأييد والحماية في المدينة، فهاجر إلى الأنصار، فكانوا أنصار الله ونبيه، وكانوا أنصار المهاجرين، فوصفهم الشريف في محكم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير