تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 04 - 2010, 09:43 ص]ـ

وعودة إلى سورة غافر:

ومن قوله تعالى:

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ:

فهو استفهام إنكاري توبيخي لقعودهم عن السير في الأرض فذلك مظنة الغفلة عن النظر في آيات الله، عز وجل، وسفر العبرة أحد الأسفار المحمودة فإن السياحة على رسم طلب العلم أو النظر في الآيات الآفاقية نظر التدبر لا نظر التنزه الذي غلب على سياح زماننا، الذين صيروا اللذة العلمية الوهمية غاية فالمشاهدة: فرجة، والسؤال لاكتساب علم بلا عبرة على حد المعلومات العامة التي لا يضر الجهل بها صاحبها، فلو نظروا نظر التدبر لعاينوا من آيات الإيجاد المعجز في أبراج السماء وفجاج الأرض، ما يجعل الناظر فيه برسم الاهتداء يهتدي إلى أعظم غايات العقلاء من التعرف على رب الأرض والسماوات بأوصاف قدرته النافذة إذ قدر فقضى الكون على هذه الصورة الكاملة، فلا زيادة ولا نقصان، ولا يعجزه خلق عن خلق، فخلق الشيء وضده قهرا لعباده، فبالصحة والمرض يبتليهم لتظهر آثار أوصافه في كل، فيصح فضلا منه وامتنانا، ليشكر بما أصح من الآلات فلا يستعملها المكلف إلا في تحصيل مراضيه من أجناس الطاعات، ويمرض إظهارا لوصف جلاله القاهر فيستخرج من عبودية الفكرة بعد السكرة، ومن عبودية اليقظة بعد الغفلة، ومن عبودية الصبر ما تظهر به آثار حكمته، فالمرض أثر صفة جلاله بقهر المريض، وأثر صفة جماله لمن اعتبر، فبه يرحم الرحيم المريض فإما أن يمن بالعافية فيكون طهورا من الذنب، سالما من البأس، وإما أن يكون ذريعة إلى تحصيل المغفرة بالصبر على البلاء لمن سدد فصبر عند النازلة، ولم يستجلب البلاء أو يتقصده كما يقع ممن وكل إلى نفسه فادعى لها حالا فكذبه الواقع فإن من ادعى لنفسه حالا أو علما وكل إليه، ومن وكل إلى غير الله، عز وجل، فهو مظنة العطب.

كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ: فذلك من قياس الأولى إذ حل بأولئك ما حل من آثار جلال الرب، جل وعلا، فقهرهم بقدرته، مع عظم قوتهم، فكيف بمن دونهم، فهلاكه أيسر من باب أولى وكل يسير على الرب جل وعلا.

فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ: ففرحوا بآثار النعمة من العلم الظاهر، وإطلاق العلم على ما عندهم جار مجرى التهكم، إن لم يكن علما نافعا بل محض ظنون، أو كان علما بظاهر الحياة من علوم الطبيعيات فرح بها صاحبها فظنها أشرف أجناس العلوم فأعرض عن الإلهيات بل وازدرى أهلها كما يقع من جهلاء المتعلمين من أبناء زماننا، وعلوم الطبيعيات علوم نافعة ولكنها ليست إلا على حد الوسائل فغايتها أن تكون مرادة لغيرها ينتفع بها في قضاء أغراض الدنيا، فقدرها من قدر الدنيا وهي على رسم الذم إلا إذا انتفع بها في إقامة دين فتصير مرادة لغيرها أيضا من هذا الوجه، وهو أشرف من الوجه الأول، إذ هي في هذا الوجه وسيلة إلى مقصد شرعي، فتأخذ حكم المقصد، والشرعي لا يكون إلا مندوبا أو واجبا، بخلاف الوجه الأول فغايتها أن تكون وسيلة إلى مباح، فإن سلم منه فخرج كفافا لكان خيرا، فكيف والاشتغال بجنس المباح يلهي عن الأجناس الشريفة من الواجبات والمندوبات.

فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ:

فسنة الله، عز وجل، ألا ينفع الإيمان إذا عاين الإنسان العذاب سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أم على مستوى الجماعات، فذلك جار مجرى الإيمان بعد طلوع الشمس من مغربها والإيمان عند الغرغرة، وتلك سنة جارية لم يستثن منها إلا قوم يونس، عليه السلام، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير