تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجاء الإجابة بالسنة الكونية الجارية منتصبة على النيابة عن المصدر إذ هي اسم مصدر من السن، جاءت إجابة عن سؤال دل عليه السياق اقتضاء: وما علة ذلك العذاب، والجواب أن ذلك هو مقتضى السنة الكونية الجارية، فهي أثر من آثار صفات جلال الباري، عز وجل، وهي، أيضا، أثر من آثار صفات جماله بالنظر إلى جانب الحكمة، فإن الحكمة تقتضي تعليق المسببات على أسباب يتذرع بها إليها، فالسبب بمنزلة العلامة الوضعية، وإن زاد عليها بأن له قوة تأثيرية أودعها الله، عز وجل، فيه، بها يقع المسبب، وذلك مئنة من إتقان السنة الكونية، فتدور مع سببها وجودا وعدما فلما وجد منهم التكذيب للرسل اقتضت سنة الرب، جل وعلا، الكونية المطردة، سنة: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ): إهلاكهم فتلك من أدلة ربوبيته القاهرة ومن دلائل النبوة، على ما اطرد من كلام أهل العلم في مسألة النبوات، ولما وجد التصديق من غيرهم وجد ضد الحكم من النجاة على حد قوله تعالى: (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)، واطراد السنة الكونية وجودا وعدما مئنة من حكمة من سنها، فلا تتخلف إلا إذا شاء خرقها آية لنبي، أو كرامة لولي، أو فتنة لغوي في نفسه وأتباعه.

ووجه الحكمة الآخر أن التفريق بين المتباينين في الحكم تبعا لتباينهما في الوصف هو مقتضى الحكمة الربانية فلا يسوي بين المختلفين أو يفرق بين المتماثلين إلا من قل علمه ونقصت حكمته فرعا عن ذلك، إذ الحكمة فرع العلم، فلا حكمة إلا به بداهة، ونقص الحكمة والعلم منتف في حق الباري، عز وجل، بداهة، وفي التنزيل: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)، فهذه الآية اصل في القياس القرآني الصريح باختلاف الأحكام تبعا لاختلاف الأوصاف، وثبوت الحكم بوجود علته، وانتفائه بانتفائها، فذلك من قياس الطرد والعكس الذي يقبله كل عقل سالم من السفسطة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 04 - 2010, 01:49 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)

فالإنطاق حقيقي، وإن لم يعلم كيفه، ففي عالم الشهادة نطق الجماد، وذلك فعل البشر، فكيف بفعل رب البشر تبارك وتعالى. فأقام، عز وجل، الشاهد عليهم من أنفسهم، ثم جاء التذييل بقياس الأولى الذي اطرد الاستدلال به في معرض إثبات البعث، فإن من خلق ابتداء إليه المرجع انتهاء، فدلالة الإيجاد الأول يثبت بها الإيجاد الثاني بداهة.

وفيه إثبات لفعل الرب، عز وجل، وفعل المخلوق، فهما فعلان مستقلان أحدهما خاضع للآخر، فليس فعل العبد عين فعل الرب، جل وعلا، كما زعمت الجبرية، فكان ذلك ذريعة إلى قول الاتحادية الذين قالوا بوحدة الذات، فرعا عن وحدة الأفعال التي أثبتها الأولون، فالفاعل واحد، وإنما تقوم الأفعال الاختيارية عندهم بأعيان المكلفين قيام الوصف الاضطراري بالموصوف، فتكون الصلاة والصيام عندهم على حد المرض والموت، مع أن الأولى أفعال تكليفية يقع الابتلاء بتوجه الخطاب بها على جهة الاختيار الذي يناط به الثواب والعقاب، فلا تستوي هي والأفعال الاضطرارية التي لا يتعلق بها تكليف أو وعد بالامتثال ووعيد بالمخالفة لانقطاع النسبة بينها وبين الإرادة الاختيارية التي لا تخرج عن إرادة الرب، جل وعلا، الكونية.

يقول ابن القيم، رحمه الله، في معرض تحرير هذه المسألة الشائكة:

"اعلم أن الرب سبحانه فاعل غير منفعل والعبد فاعل منفعل وهو في فاعليته منفعل للفاعل الذي لا ينفعل بوجه فالجبرية شهدت كونه منفعلا يجري عليه الحكم بمنزلة الآلة والمحل وجعلوا حركته بمنزلة حركات الأشجار ولم يجعلوه فاعلا إلا على سبيل المجاز فقام وقعد وأكل وشرب وصلى وصام عندهم بمنزلة مرض وألم ومات ونحو ذلك مما هو فيه منفعل محض والقدرية شهدت كونه فاعلا محضا غير منفعل في فعله". اهـ

"شفاء العليل"، ص220.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير