تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالرب: فاعل من جهة خالقيته، فهو خالق بأوصافه الفاعلة، فينفعل له ما سواه من الأسباب المخلوقة وما يتولد عنها من المسببات، ولا ينفعل لسواه فله الهيمنة على كل مخلوق، وليس لمخلوق عليه سلطان، فلا يناله أحد من خلقه بأذى فذلك ممتنع بداهة، فهو العزيز الذي يَنال ولا يُنال، بينما العبد فاعل بمباشرة الفعل بإرادة حرة مختارة لا تخرج عن إرادة خالقه، عز وجل، فهي لها تبع، فهو خالق الأعيان وما يقوم بها من الإرادات وما يتولد عنها من الأفعال، فهو فاعل بإرادته منفعل لإرادة الرب جل وعلا.

فالنطق فعل العبد ولا يكون إلا بإنطاق الرب، جل وعلا، له، والخروج فعل العبد ولا يكون إلا بإخراج الرب، جل وعلا، له كما في قوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ).

فإذا أحب، عبدا، أنطقه بالخير، فضلا منه لملاءمة محله لآثار الرسالات فلما أقبل على الذكر بما قدر له الرب، جل وعلا، بعلمه الأزلي،، كوفئ بأن أجرى على لسانه التنزيل والذكر فلا ينطق إلا بخير، وإذا أبغض عبدا أنطقه بالشر، عدلا منه فيه لعدم ملائمة محله لآثار الوحي النافع، فلما أعرض عن الخير عوقب بالاشتغال بالضد لا محالة، فهو المنطق على حد الإخبار بالوصف الفعلي فلا يطلق عليه المنطق على جهة الاسم، إذ المعنى محتمل للحسن والقبح، وأسماؤه، تبارك وتعالى، قد بلغت الغاية من الحسن، فلا تحتمل النقص ولو احتمالا، فامتنع اشتقاق أسماء له من أوصاف تقبل معانيها الانقسام لورود احتمال النقص فيها، ولو لم يرده القائل، بل امتنع على قول المحققين من أهل العلم اشتقاق أسماء له، ولو كان الوصف وصف كمال مطلق إذا لم يرد به نص بعينه لتوقيفية الباب، فلا يثبت ولا ينفى، فالله، وحده، أعلم، بوصف كماله على جهة التعيين لكله فلم يعلم أحدا من خلقه إلا بعضه، فـ: "لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ"، وكذلك يقال في الألفاظ المجملة فهي لانقسام معانيها لا تطلق على الرب، جل وعلا، ولا تمنع إلا بعد معرفة مراد القائل فإن أراد خيرا قبل وأثبت، وإن أراد شرا رد ونفي، ومنع إطلاق الاسم على كل حال لما تقدم من توقيفية الباب.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 04 - 2010, 07:43 ص]ـ

ومن قوله تعالى:

قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ:

فذلك من الاستفهام الإنكاري في معرض تقرير الألوهية استنادا إلى خصائص منصب الربوبية، فالكفر بالإله الحق يستلزم الإنكار إذ ألوهيته، فرع عن ربوبية، فكما أنه الواحد المنفرد بوظائف الربوبية، فهو الواحد المنفرد بواجبات العبودية، فالأولى من توحيده بأفعاله، والثانية من توحيده بأفعال عباده، فجاء حكم الإنكار معلقا على أوصاف الربوبية فذلك آكد في استحقاقهم الذم، إذ الكفر بمن ثبت له من كمال الاسم والوصف والفعل ما يستحق به تمام التأله أقبح في التصور، ولذلك جاء وصف الربوبية الذي اختص به الله، عز وجل، على جهة الانفراد، جاء هذا الوصف في معرض الإنكار، إذ هو مما لا يقبل الشراكة، فلا اشتباه فيه ولا إجمال، يوقع الناظر في الحيرة كأن يكون الوصف مما يصح إطلاقه ولو على جهة الاشتراك المعنوي على المخلوق، كالعلم، على سبيل المثال، فإنه مما يصح إطلاقه على الخالق والمخلوق، فيقع فيه شبهة الإجمال من هذا الوجه، وإن كان لا إجمال عند التحقبق إذ ليس الاشتراك في أصل المعنى بملزم لوقوع الاشتراك في فرعه ليقع الإجمال من هذا الوجه، فوصف العلم قائم بمن اتصف به، فكماله من كماله، ونقصه من نقصه، فلا يوجد علم مجرد خارج الذهن، وإنما يوجد مقيدا خارجه بعلم فلان وفلان، فإذا ثبت هذا في عالم البشر، ولم يلزم منه التساوي في العلوم لمجرد الاشتراك في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير