تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أصل الصفة، فهو ثابت لله، عز وجل، من باب أولى، فعلمه فرع عن ذاته القدسية، فلا يلزم من اشتراكه مع المخلوق في أصل الصفة: تشبيه أو تمثيل، ولكن يبقى احتمال الإجمال قائما، ولو ضئيلا، بخلاف الوصف الذي اشتقت منه صلة الموصول وهو: خلق الأرض، فإن ذلك مما لم يدعه أحد من العقلاء، ولو ادعاه مسفسط مختل لشهد حاله، والنقص ملازم لذاته والعجز لا ينفك عنه، بكذب دعواه، وفي التنزيل: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ)، فاستوفت القسمة العقلية احتمالات الخلق في معرض الإبطال إذ ذلك، كما تقدم، من أخص أوصاف الربوبية، فهو أحد شقيها، إذ الربوبية، كما تقدم مرارا، خلق وتدبير، وإن نسب الخلق إلى البشر فعلى جهة التقدير البشري وهو تقدير لا ينفك عن النقص لقصور التصور للمآلات، فلا يعنى إلا بتحصيل المصلحة العاجلة، إذ ليس مؤيدا بالوحي، كتصور الأنبياء، عليهم السلام، فعندهم من العلم بالمآلات ما قد علمهم الله، عز وجل، إياه، في معرض الترغيب والترهيب، وفي معرض التحدي بالإخبار بالمغيبات فذلك نوع من أنواع دلائل النبوة، أو على جهة: التحويل من صورة إلى صورة لا الإيجاد من العدم الذي اختص به الرب، جل وعلا، فخلق الإنسان إما: تحويل من صورة إلى صورة، وإما تقدير يفتقر إلى الدقة والإحكام لقصور التصور والعلم بالمآلات، وخلق الملائكة: تأويل لكلمات الرب، جل وعلا، الكونية الخالقة، فبها تكون الكائنات على ما قد قدر الرب، جل وعلا، أزلا، فهي قضاؤه في كونه بما قدر في علمه، فيباشر الملك الفعل بأمر الرب، جل وعلا، مباشرة الجند الفعل بأمر الملك، فهو السبب المؤدي إلى مسبَّبِه على ما اقتضت السنة الكونية الجارية.

وأما خلق الرب، جل وعلا، فهو: إيجاد من العدم، وتقدير من الأزل، بحكمة بالغة، فلا نقص فيه ولا خلل كتقدير البشر، بل قد بلغ الغاية من الإحكام والإتقان، فيوقعه الرب، جل وعلا، بقدرته النافذة، كما شاء في الأزل، فيكون الكائن في عالم الشهادة تأويل المعلوم في عالم الغيب، فخلق الرب، تبارك وتعالى، الخلق بعلمه الأول المؤثر في إيجاد الكائنات إذ علم من حال عباده: قوة وضعفا، علما وجهلا، صلاحا وفسادا ..... إلخ، ما اقتضى لكل منهم خلقا يلائمه وقدرا يناسبه، فذلك مقتضى الحكمة الربانية بوضع الشيء في موضعه الملائم له، فيقع المعلوم أزلا في عالم الشهادة كما قد قدر الرب، جل وعلا، على الوجه الذي تظهر به آثار قدرته النافذة بإيقاع المقدور كما قد قدر له بلا زيادة أو نقصان، وآثار حكمته فبوقوعه على هذا القدر والكيف تحديدا تحصل للبرية من المصالح الكلية ما يفوق أي مفسدة عارضة ولا يكون ذلك إلا مئنة من الحكمة البالغة، التي انفرد الرب، جل وعلا، بها فلا تداني حكمته حكمة، كما لا تعادل قدرته قدرة، وبهما يظهر كمال وصف ربوبيته، جل وعلا، فصار الكفر به بمخالفة الأمر بإفراده بالألوهية محل إنكار معتبر، صدرت به الآية ثم جاء عقيبه الدليل من أفعال الربوبية على وجوب إفراده بالألوهية فهو الذي خلق الأرض في يومين.

وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ: فذلك من دلالة عنايته، جل وعلا، بخلقه، فأوجد من العدم، ثم قدر الأقوات وأقام الجبال أوتادا، فذلك من دلالة عنايته، كما تقدم، فخلق الظرف، وأودع فيه من الكنوز والقوى ما يحصل به تمام النفع للخليقة مع تمام غناه، عز وجل، عن خلقه، فهو محض إحسان إليهم بما تفضل به عليهم من النعم الكونية السابغة، فضلا عن النعم الشرعية الأعظم قدرا والأشرف وصفا، وأعظمها: نعمة النبوة فهي روح هذا العالم، إذ بفاؤه وصلاحه ببقائها، فلا تقوم الساعة حتى تندرس آثارها فلا يقال في الأرض: الله الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير