تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولو حملت الرؤية على الرؤية العلمية لأعرب الحال: مفعولا ثانية، والرؤية وإن كانت أظهر في البصرية في هذا السياق منها في العلمية إلا أنها تحتمل العلمية من وجه، فذلك المدرك البصري الحسي لا يحصل تمام الانتفاع به إلا إذا عرض على قياس العقل، وهو ما ورد بعد ذلك: (إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى)، فذلك من القياس الجلي أو القياس المساوي، فإحياء الأجساد بالماء النازل من السماء من جنس إحياء الزرع بماء المطر، فقوى الإنبات والإخراج في كليهما كائنة فتستخرج الحياة بهما من الموات، واستعارة الإحياء للإنبات في الآية جارية مجرى الاستعارة التصريحية، كما أفاده صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وهي في نفس الوقت دالة من وجه آخر على مناط الفائدة وهو: بيان قدرة الرب، جل وعلا، على الإيجاد بعثا للأجساد، فرعا عن قدرته على الإيجاد إنباتا للزروع والثمار، لما بينها وبين: "محيي الموتى" من الجناس الاشتقاقي فيجمعهما معنى الحياة الكلي الذي تندرج تحته صور شتى من صور الحياة كحياة الأبدان، وحياة الأشجار ..... إلخ من صور الحياة المحسوسة، وحياة الأرواح والقلوب فتلك من صور الحياة المعقولة، والقيد هو الذي يعين المراد، فالمراد هنا هو الحياة المحسوسة التي تسري في الأجساد بعد بعثها بإذن ربها، جل وعلا، فضلا عما بين: "أحيى" و: "محيي" من المشاكلة.

وإضافة: "محيي" إلى "الموتى"، وإن كانت إضافة عامل إلى معموله فالأصل ألا تفيد تعريفا، فتجري مجرى الإضافة اللفظية تخفيفا إلا أنها في هذا الباب تجري مجرى الإضافة الحقيقية التي تفيد التعريف لقرينة: علمية ووصفية أسماء الرب، جل وعلا، مطلقة كالرحيم أو مقيدة كهذا الاسم فقيد المحيي على جهة التعدي بمعموله: "الموتى"، فمعنى الحياة قد ثبت له، جل وعلا، لزوما فهو: الحي: وصف ذات واسما مطلقا، و: المحيي: وصف فعل واسما مقيدا، والأصل في الإضافة اللفظية عدم الثبوت فتجري مجرى الحادث الطارئ المنقضي، وذلك أمر لا يتصور في حق الرب ن جل وعلا، فلا تعرض له الصفة ثم تزول لما يلزم من ذلك من زوال وصف الكمال عنه، جل وعلا، وإنما الصحيح عروض آحاد صفات الأفعال المتعلقة بمشيئته، فيحدث منها ما شاء كيف شاء متى شاء، فجهة تعلق آحادها: المشيئة، مع كونه، جل وعلا، متصفا بأنواعها، فجهة تعلقها ذاته القدسية، فهي جارية مجرى سائر صفات الأفعال فلها وصفان: وصف الأولية والقدم من جهة النوع وهذا وجه كون الإضافة هنا حقيقية إذ الوصف باعتبار نوعه للرب، جل وعلا، ثابت، و: وصف الحدوث والتجدد باعتبار آحادها فيحيي ما شاء من الموتى متى شاء كيف شاء كما تقدم.

ثم ذيل بعموم القدرة، بعد ذكر فرد من أفرادها وهو: القدرة على إحياء الموتى، فذلك من قبيل: عطف العام على الخاص، فيفيد التوكيد بالإطناب فنص على الخاص تنويها بذكره، فالسياق قد ورد في إثباته خصوصا، ثم ذيل بالعموم إمعانا في توكيد عموم قدرته فهو على الخلق والإيجاد خصوصا قدير، وهو على شيء ممكن عموما قدير، فالقدرة لا تتعلق بالمحالات كتجويز طروء وصف النقص على الرب، جل وعلا، فلا يقال بأنه، جل وعلا، قادر على الاتصاف بالنقص، فذلك من الفساد بمكان لما علم ضرورة بالنقل والعقل من وجوبه اتصافه، جل وعلا، بكل كمال وتنزهه، عز وجل، عن كل نقص.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 08:44 ص]ـ

ومن قوله تعالى:

وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ: فتلك من دلائل الإيجاد للأجرام والأعراض التي تتولد منها، فعطف النهار على الليل مئنة من كون الليل هو الأصل والنهار هو الفرع على حد قوله تعالى: (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ)، وقد جعله صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، معطوفا على ما تقدم من خلق السماوات والأرض، فيكون السياق قد تضمن في معرض الاستدلال على كمال ربوبيته، عز وجل، الاستدلال بخلق الأجرام، ثم العطف في موضع تال بما يجري على تلك الأجرام من السنن الكونية فجريان الليل والنهار وحركة الشمس والقمر وفق سنن كونية محكمة من دلائل قدرته، عز وجل، وحكمته، إذ لكل عرض وقت يتحقق به كمال الانتفاع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير