تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 05 - 2010, 07:22 ص]ـ

ومن قوله تعالى:

لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ:

فذلك من تقلب العبد في الأقدار الكونية على حد ما أفاده طباق الإيجاب بين الشر والخير، فلا ينفك العبد عن ابتلاء بالخير نعمة، وبالشر نقمة، فذلك من آثار قدرته، عز وجل، في خلقه بتنويع الابتلاء، فمنهم من يصلحه الضيق، ومنهم من تصلحه السعة، ومن آثار حكمته فيضع الشيء في محله الملائم.

فلا يسأم الإنسان، و: "أل" هنا بقرينة ورود اللفظ المحلى بها: "الإنسان" في سياق ذم، جنسية استغراقية لجنس بعينه، فليس استغراقها عموميا، بل عرفي، فقرينة الذم ترجح إرادة جنس بعينه هو جنس الكفار، ومن على شاكلتهم من المسلمين، وإن لم يلزم من التشابه بينهما في هذا الوجه: التشابه من كل وجه، على ما سبقت الإشارة إليه في مواضع سابقة، من جواز الاستشهاد بآيات نزلت في الكافرين على بعض أحوال المسلمين التي شابهوا فيها الكافرين، دون أن يلزم من ذلك بداهة: تكفيرهم فذلك مسلك الخوارج الذين حملوا آيات نزلت في الكفار لبيان أوصاف لهم قد يتصور اتصاف المسلمين ببعضها مع عدم انتقاض أصل الإيمان في قلوبهم، حملوها على المسلمين حملها على الكافرين، فسووا بينهم من كل وجه!، وقال بعض أهل العلم بأن ذلك من العهد العيني في معهود بعينه هو فلان أو فلان من المشركين، على ما ذكر في سبب نزول الآية، وخصوصه لا يمنع عموم لفظها، فالحكم قد علق بالوصف العام فمتى تحقق الوصف تحقق الحكم بغض النظر عن الأعيان التي يقوم بها. فلا يمنع قيام الوصف بزيد قيامه بعمرو، لعمومه، فيشتركان في الحكم لتحقق علته في كليهما.

فالإنسان قد جبل على حب الاستكثار، والحرص والجمع والمنع فـ: "لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ"، فالتعبير بانتفاء السآمة، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، مئنة من التكرار ودوام الوصف، فتلك حال الإنسان، فقد جبل على الشح والبخل إلا من امتن الرب، جل وعلا، عليه فألهمه تزكية نفسه بالصلاة والزكاة، فـ: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا)، ثم استثنى فذلك من النسخ بمعناه العام أو التخصيص المتصل: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)، وفي السياق صورة بلاغية أخرى تدل على حرص الإنسان على الاستكثار من نعم الرب، جل وعلا، الكونية، دليل عنايته العامة، فلا يلزم من جريانها بلوغ العبد عنايته، جل وعلا، الخاصة، بنعمة الإيمان، في السياق صورة بلاغية تدل على ذلك الحرص، أشار إليها صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، يجرد فيها من الخير إنسان يدعوه طالب الحاجة ليقبل عليه، فلا يسأم من دعائه: أن أقبل، وذلك، كما تقدم، جار على ما ركز في نفس الإنسان من حب الخير وحب الاستكثار منه على جهة الحرص والشح الذي يدل عليه التكرار بنفي السآمة إلا ما رحم الرب جل وعلا، وفي مقابل ذلك:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير