تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 05 - 2010, 08:42 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ):

فذلك من دلالة الإيجاد للآيات الآفاقية من أجرام وأفلاك، والآيات النفسانية من من أنسجة وأعضاء على ما فيها من صور الحكمة الباهرة فكل قد خلق على هيئة يحصل بها تمام الانتفاع فتظهر بذلك آيات حكمة الرب، جل وعلا، في خلقه المشهود، فلا تنفك الدلالة الإيجادية لتلك الكائنات عن دلالة عناية بها إذ قد سخرها الله، عز وجل، ليحصل بها كمال التنعم، على وجه تظهر به قدرة الرب، جل وعلا، في الخلق للأعيان والتدبير للأحوال، فهما، كما تقدم مرارا، أخص أوصاف الربوبية، والرؤية علمية لتعديها إلى المفعولين وهو أليق بسياق التدبر والنظر في الآيات الكونية التي أضيفت إلى ضمير الفاعلين مئنة من التعظيم، فذلك مما يحسن في معرض بيان عظم القدرة وبلوغ الحكمة الربانية، وقد حمل صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، تلك الرؤية على أمر مستقبل هو ذيوع الإسلام في الآفاق وفي أنفس المخاطبين، مع عظم جحودهم وتكذيبهم له حال نزول الآيات، فيكون ذلك وجها من وجوه إعجاز الكتاب العزيز، إذ أخبر عن مغيب، فوقع كما قد أخبر، فذلك وجه إعجاز في باب الأخبار، فالوحي قد أخبر بما مضى فـ: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)، بل فضح ما تواطأ يهود على كتمانه فلم يعلمه غيرهم فـ: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)، وأخبر بما هو آت من الأحداث الكونية الجسام، من قبيل خبر الدابة: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)، وطلوع الشمس من مغربها: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)، وأهوال يوم القيامة: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)، وما يكون بعده من الحساب والجزاء، فضلا عما أخبر به من دقائق العلوم الطبية والفلكية والزراعية ..... إلخ، وإن كانت إشارات مجملة قد ورد بيان كثير منها في السنة التي صدق العلم التجريبي الحديث خبرها، فتلك، أيضا، مما ينظم في سلك دلائل الإيجاد والعناية، وإن كان الوحي لم يرد لبيان ذلك أصالة، فعنايته الأولى بتقرير أصول العقائد والشرائع، وبيان ذلك في الوحي الثاني: السنة، على ما اشتهر من تفسير البيان في قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ببيان السنة، وعلى ما اطرد من التلازم بين الربوبية والألوهية جاء التذييل بالعلة الغائية من ذكر تلك النعم الربانية: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، فينقادوا لأمره الشرعي طاعة وديانة، فلا يكفي الانقياد للأمر الكوني فكل له خاضع فلا يحصل به فصل لجنس المؤمنين من جنس الكافرين فكلهم يتقلب في أقدار الرب، جل وعلا، الكونية بخلاف المؤمنين الذين استقلوا بموافقة أقداره الشرعية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير