تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالشاهد أن من جملة تلك الآيات الآفافية: ظهور الإسلام على سائر أمم العرب خاصة والشرق والغرب عامة في عصور ازدهاره التي تمسك فيها السلف بمقررات الرسالة فاستحقوا التمكين فرعا عن امتثال أمر التشريع، وذلك من دلائل النبوة عند التأمل إذ دار التمكين في الأرض معها وجودا وعدما، ولا يمكن الله، عز وجل، لكاذب ولا يمكن لأتباعه من بعده فلا يحصل لهم الظهور إلا بدعواه وهي في نفس الأمر كاذبة، فذلك من المحال بمكان إذ لازمه إبطال الحجة الرسالية، بتجويز تأييد الكذاب تأييدا مطلقا، وإنما يكون ظهور أمره، إن ظهر، فتنة وتمحيصا، فسرعان ما يظهر كذبه وتناقضه فـ: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، فالآية الكونية التي يجريها الرب، جل وعلا، تأييدا لرسوله تنزل منزلة قول مجريها عز وجل: صدق عبدي فلان في دعواه النبوة، كما قرر ذلك من تكلم من أهل العلم في أصول الديانة، فلزمكم تصديق خبره وامتثال أمره ونهيه، فهو مبلغ الشريعة، فله من العصمة ما يوجب اتباعه اتباعا مطلقا دون السؤال عن الدليل، فليس اتباعه كاتباع غيره من العلماء والمجتهدين الذين يستدل لكلامهم، بل كلامه في حد ذاته: دليل يستدل به، وذلك فرقان بين النبي المعصوم، والمجتهد أو العالم غير المعصوم، فإنه مهما بلغ من العلم والتحري في الفتوى فلا بد أن يخطئ، ولو في مسألة، وإلا كان معصوما، وتلك منزلة لا تكون إلا للنبي، فيرد قوله فيما أخطأ، ويثبت له الأجر على ما بذل من الجهد واستفرغ من الوسع، فلم يفته إلا أجر الإصابة، إلا أن يكون ذا هوى، فليس له من الأجرين شيء، بل عليه وزر اتباع الهوى والاجتهاد في التماس الذرائع الشرعية له، فلا يستدل إلا بالمتشابهات بحملها على الوجوه التي تؤيد مذهبه، ولو كانت أوجها مرجوحة بل مهجورة، ويعرض عن المحكمات الصريحة بضد ما ذهب إليه، وتلك حال علماء السوء في كل عصر ومصر، وفي زماننا، كثر هذا الصنف، لا سيما أصحاب الحوائج على أبواب المتملكة والمتأمرة برسم الجور.

ثم جاء التذييل بالاستفهام في معرض تقرير عموم وصفه الرباني فهو على كل شيء شهيد، فذلك ذريعة إلى الوفاء بالحق الإلهي مراقبه له، عز وجل، في السر والعلن، فاستحضار مقام الربوبية علة فاعلة لاستحضار مقام الألوهية، وقد أنزله صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، في قول له: منزلة القسم، فيكون الاستفهام إنكاريا على من لم يكتف بالقسم بالله، فذلك خلاف ما وردت به النصوص من قبيل حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، مرفوعا: "لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ"، فينزل ذلك منزلة قوله تعالى: (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً)، فإنكار عدم الاكتفاء بالقسم بالله، إثبات لوجوب الاكتفاء به، فالإنكار ينزل منزلة النفي، ونفي النفي إثبات كما قد قرر أهل النظر.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 05 - 2010, 07:44 ص]ـ

ومن سورة الشورى:

ومن قوله تعالى: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

فالوحي هنا بمعناه الاصطلاحي، فهو وحي الأنبياء عليهم السلام بواسطة الرسول الملكي بما تكلم به الرب العلي، تبارك وتعالى، من الكلمات الشرعيات الحاكمة، فوحيه، تبارك وتعالى لرسله من البشر يكون بالكلمات الشرعية الحاكمة، ووحيه، جل وعلا، لجنده من الملك يكون بالكلمات الكونية النافذه، فأمر الرسل: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وأمر الملائكة: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ). فتقديم المسند وهو فعل الإيحاء تشويق لمعرفة الموحي، ومجيئه مضارعا مئنة من التجدد والاستمرار على الرسل باعتبار المجموع، فالوحي عليهم قد تتابع، وعلى الرسول الواحد فالوحي عليه قد تتابع باعتبار أفراده، فجنس الوحي معهود في النبوات عموما،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير