تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الخلق، فهي متعلق اسمه الخالق، وكلمات كونية كان بها التدبير ولا يكون إلا عن علم سابق فهي متعلق اسمه العليم واسمه الحكيم.

فله ما في السماوات وما في الأرض على حد العموم المؤكد بالتكرار، فضلا عن وروده بـ: "ما" وهي تعم العاقل وغير العاقل فتستغرق الأعيان على حد "ما" في قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)، والأحوال على حد "ما" في قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)، وتقديم ما حقه التأخير مع كون اللام نصا في الملكية في هذا الموضع لقرينة السياق، فالرب، جل وعلا، المالك الملك للأعيان والأحوال ولا تخلو اللام من معنى الاختصاص إذ اختص، جل وعلا، على سبيل الانفراد، بملكية ما في السماوات وما في الأرض إيجادا وتسييرا، فذلك مما يندرج في دلالة الإيجاد، فإن صفة العزة وما يلزم منها من القدرة هي معدن الكلمات الكونية الموجدة، كما أن صفة الحكمة هي معدن الكلمات الكونية المدبرة فبها ينتظم أمر الأبدان، والكلمات الشرعية فبها ينتظم أمر الأديان، فنعمته، جل وعلا، كما تقدم، نعمة سابغة، قد عمت الظاهر والباطن، البدن الكثيف وما يحتاجه من عذاء طيني غليظ، والروح الخفيف وما يحتاجه من عذاء إيماني رقيق، فبالكلمات الكونية ينبت الرب، جل وعلا، الزرع في الأرض لتغتذي به الأبدان، وبكلماته الشرعية ينبت شجرة الإيمان في القلب فيتعاهدها بأجناس التأله الظاهر والباطن لتعتذي بثمارها الأرواح.

ولئلا يقع الوهم فيظن ظان اختلاط المالك بمملوكه أو حلوله فيه كما هو حال ملاك الدنيا الذين تحويهم ممالكهم ولا يحيطون بها لحقر ذواتهم، لئلا يقع ذلك الوهم جاء النص على علو الرب، جل وعلا، علو ذات وقهر وشأن، فهو العلي بذاته علوا معنويا عاما وعلوا خبريا خاصا هو استواؤه على عرشه على كيف يليق بجلاله لا يعلمه إلا هو فلا خوض للعقل فيه بتأويل لمعنى بعيد أو تعطيل لمعنى جليل، أو تمثيل بمعنى مشاهد، أو تكييف بمعنى مقدر في الأذهان وإن لم يكن له وجود في الأعيان، فكل ما شاهده المكلف أو تخيله من صور الكمال المطلق فالله، عز وجل، بخلافه، فلا يدرك كنه ذاته القدسية وصفاته العلية إلا هو.

وهو العظيم فلا يحويه خلقه بل قد أحاط بهم علما، ووسع كرسيه سماواته وأرضه فكيف بعرشه والكرسي كالمرقاة له، وكيف به، جل وعلا، في ذاته القدسية وقد استوى على أوسع مخلوقاته بأوسع أوصافه فـ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى).

والقصر كائن في قوله: (وهو العلي العظيم): بتعريف الجزأين، فتأويله: لا علي ولا عظيم سواه، وجعله صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، من قصر القلب، إذ اعتقدوا تلك الأوصاف الكاملة في آلهتهم الناقصة فجاء النص على ضد ما اعتقدوه فذلك أبلغ ما يكون في إبطاله.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 05 - 2010, 08:08 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)

فذلك إشارة إلى تفريط الخلق في واجب الألوهية لازم ما تقدم من دلالات الإيجاد والعناية الربانية على ما اطرد من التلازم الوثيق بين فعل الربوبية وواجب الألوهية، فإزاء كل فعل رباني بإيجاد أو إنعام، أو حتى ابتلاء: فعل بشري يوقعه المكلف تألها وديانة، فليس ثم إلا: فعل الرب تدبيرا، وفعل العبد تسليما.

فلوقوع ذلك التفريط تكاد السماوات يتفطرن من أعلاهن، فذلك أبلغ في البيان إذ انفطار الشيء من أعلاه أعظم انفطار فهو بعم الأعلى والأسفل لزوما كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك مظنة فساد أمر الكون من شؤم تفريط العباد، وهو الذي يقع آخر الزمان إذا شاء الرب، جل وعلا، قيام الساعة فينقطع ذكره من كونه، فلا يقال في الأرض: لا إله إلا الله، فذلك انقطاع مادة الصلاح التي تحفظ بها الأفلاك العلوية والممالك الأرضية، فإذا عدمت من الأرض فقد وجب لها الفساد على ما اطرد من دوران المعلول مع علته وجودا وعدما فمتى كانت نبوة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير