تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عليه وعلى آله وسلم ومادته تقبل الانقسام فيتصور فيها انفكاك جهة الكمال عن جهة النقصان، فبثبت له منه ما أثبته لنفسه من وجه الكمال، كالمكر فإنه بالكافرين كمال، وبالمؤمنين نقص، وقد وصف تبارك وتعالى نفسه بوصف الكمال منه، فيثبت له على الوجه اللائق بجلاله وينفى عنه وصف النقص، فيمكر بالكفار استدراجا ولا يمكر بالمؤمنين بل يمكر لهم انتصارا.

وما كان من وصف لم تنفك فيه جهتا الكمال والنقص فالنقص فيه ذاتي ملازم له أبدا وإن تضمن كمالا من وجه كاتخاذ الصاحبة والولد فهو كمال في حق البشر إذ الفحل أكمل من العنين، والخصيب أكمل من العقيم، ولكن كلا الأمرين لا ينفكان عن وصف نقص ذاتي فالشهوة إلى الزوج والحاجة إلى الولد من أعظم صور النقص، فلا ينفكان عن افتقار يتنزه عنه الباري، عز وجل، بداهة، فهو الغني عن خلقه، بل خلقه المفتقرون إليه، فغناه ذاتي لازم له، متعد إليهم، فما كان فيهم من وصف الغنى فهو طارئ بعد أن لم يكن، حادث بعد العدم، بخلاف وصف غناه فإن له أولية الغنى وآخريته، كما له أولية الذات القدسية وآخريتها، وأولية كل أوصاف كماله الذاتية والفعلية وآخريتها، فلا تمكن نسبة الصاحبة والولد لله، عز وجل، للنص الصريح على النفي، ولو لم يرد لعلمه العقل الصريح بدلالات لزوم صفات الكمال الأخرى، فالكمال المطلق ثابت له إجمالا، واتخاذ الصاحبة والولد، كما تقدم، لا تنفك فيه جهة النقص عن جهة الكمال ليصح وصف الرب، جل وعلا، بكماله دون نقصه، كما في صفات المكر والاستهزاء فالبابان مختلفان والتسوية بينهما تسوية بين متباينين يأباها العقل الصريح.

وما كان من وصف نقص مطلق لا يتضمن كمالا من أي وجه فهو منفي عنه من باب أولى، كوصف الخيانة، ولذلك لم يقابل الله، عز وجل، خيانة الكفار بمثلها في قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). فقابل خيانتهم بالإمكان منهم.

ثم جاء الإطناب في بيان أوصاف ربوبيته جلالا: فـ: لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: فبكلماته الكونيات النافذة تجرى الأقدار الكائنة على ما علم الرب أزلا وسطر في اللوح قبل خلق العالم المشهود.

يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ: فذلك من ربوبية الجمال إذ لا ينفك بسط الرزق وقدره عن حكمة، فيبتلي الغني بالفقير ليؤدي حقه، ويبتلي الفقير بالغني ليكف شره، ولا يكون هذا التدبير بداهة إلا بعلم محيط نافذ: فـ: إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، فدلالة التدبير ولا يكون إلا بحكمة على العلم السابق دلالة لزوم عقلي لا تقبل الانفكاك، فالعلم سابق الإيجاد كما في قوله تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، والعلم سابق التدبير، فلا بد أن يعلم من يدبر الأمر تفاصيله وطرائق تدبيره قبل أن يشرع في ذلك ولله المثل الأعلى.

ومن سياق تال:

ومن قوله تعالى: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيز) ُ:

فهو اللطيف بعباده، لطف الإحسان بهم، ولطف العلم بدقائق أمورهم، فإن العلم سابق التدبير، فلا بد أن يعلم اللطيف حال من يلطف به ليوصل إليه من أوجه الإحسان ما يلائمه، فالمعنيان متلازمان ويكاد معنى العلم يكون لازما لكل معاني الصفات الإلهية: إيجادا وعناية، فلا خلق ابتداء إلا بعلم أول سابق، قدر به الرب، جل وعلا، المقادير، ثم أوجدها كما شاء، فظهر من إحكام صنعه وإتقان خلقه، ما قامت به الحجة على كل ذي لب، ولا عناية بالمخلوق إلا بالعلم بحاجاته وما يلائمه من أغذية نافعة سواء أكان ذلك غذاء الروح للعقلاء، أم غذاء الأبدان لكل حي حساس ذي إرادة وإن لم يكن ذا عقل يدرك، فنعمته، عز وجل، الكونية السابغة قد عمت كل الكائنات، فلطفه أثر من آثار جماله، يتجدد بتجدد آلائه، فيجري مجرى الصفات التي تتعلق بالمشيئة، فيحدث من آحاد تعلق لطفه العلمي بعباده ما يعلم به علما مواطئا للعلم الأول ما هم عليه من حال، وما يحتاجون إليه من الأزواد، فيجري فضلا أو يمنع عدلا، وفي كل تظهر آثار حكمته بالتدبير بسطا وقبضا، إعطاء ومنعا، فضلا عن ظهور آثار أوصاف جلاله، إذ خلق المتضادات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير