تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مئنة كمال قدرته، وذلك من معاني ربوبيته القاهرة، فامتن بالصحة والحياة ..... إلخ، وقهر بالمرض والموت ليظهر القدر الفارق بين وصف الرب، جل وعلا، ووصف العبد، فبينهما من الفارق ما بين ذات الرب القدسية وذات العبد الأرضية.

فهو اللطيف بعباده يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ: فذلك من الإطناب بتوالي الأخبار في معرض بيان وصف جماله، على حد الفصل لشبه كمال الاتصال فالمسند إليه واحد، قد أسند إليه الخبر الأول اسما مقيدا: "لطيف بعباده"، فليس على حد الإطلاق في نحو قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فدلالة: "أل" على استغراق عموم ما دخلت عليه من معاني اللطف الذاتي بالعلم والفعلي بالإحسان، صيرته على حد الإطلاق، فبه تثبت للرب، جل وعلا، كل دلالات الاسم المعنوية: تضمنا فهو اللطيف فلا تراه الأبصار في الدار الأولى ليقع بذلك تمام الابتلاء، وهو اللطيف العليم بدقائق الأمور، فاسمه اللطيف مقرون باسمه الخبير، فلا تدركه في الدار الأولى ولا تحيط به في الآخرة، وهو اللطيف الذي يرى ولا يُرى في دار الابتلاء وهو الخبير الذي يعلم دقائق أحوال عباده فذلك من التذييل الملائم لصدر الآية على نحو قد بلغ الغاية في الدقة والإيجاز، ثم جاء الإخبار بالمسند المضارع مئنة من تجدد رَزْقِه لعباده فيتجدد له من آحاد وصفه بالرَّزْق ما يتعلق بمشيئته العامة رزق فلان وفلان، فالمضارعة مئنة من الاستمرار والتجدد وذلك آكد في استحضار صورة المنة الربانية المتجددة، والبيان يناسبه الإطناب لا سيما في إثبات الصفات الإلهية، فالأصل فيه التفصيل، فتعدد الأخبار عن الله، عز وجل، في هذا السياق، من هذا الباب، وقد يحمل ذلك على التوطئة بالخبر الأول ففيه نوع إجمال، للخبر الثاني فبه يحصل تمام البيان، فكأن المخاطب قد طرق سمعه وصف اللطف فتساءل، وما حد هذا اللطف، فجاء الجواب بذكر لطف الإنعام بالأرزاق فلا يخصص عموم اللطف إذ هو من أفراده، فذكره جار مجرى التمثيل، وذكر بعض أفراد العام في معرض التمثيل لا يخصصه، وكما فسر جمع من المفسرين وصف اللطف بآثاره فذكر كل ما ظهر له منه، فلطف بالصحة، ولطف بالمال ..... إلخ، وأعظمها اللطف بنعمة الإيمان، فلا يخصص فرد من تلك الأفراد عموم الاسم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ثم ذيل بوصف الجلال بعد الجمال على حد القصر بتعريف الجزأين: وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ: ليكتمل للرب، جل وعلا، وصف الكمال جلالا وجمالا.

وفيه نوع احتراس لئلا يظن ظان أن لطفه بعباده عن عجز، بل هو الجميل بوصف ذاته، الجليل بوصف فعله، فليس عطاؤه عن ضعف أو عجز، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، والقصر على جهة المبالغة، فكأن كل قوة وعزة دون قوته وعزته عدم.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 05 - 2010, 10:11 ص]ـ

ومن قوله تعالى:

مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ:

فذلك مئنة من سعة عطائه عناية بالمؤمنين، بل وبالكافرين بإعطائهم حظهم العاجل من هذه الدار، فـ: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا).

فتلك القسمة العقلية التي لا تحتمل شطرا ثالثا، فإن من أراد الدنيا للدين فليس بمريد لها حقيقة بل هو مريد للدين، ومن أراد الدين للدنيا فليس بمريد له حقيقة بل هو مريد للدنيا، فإيمان وكفر، ونفاق يؤول في حقيقته إلى الكفر فالظاهر طالب للدين والباطن طالب للدنيا، ولا يلزم من ذلك وقوعه على حد النفاق الكبر، وإنما المراد التمثيل بصورة تؤول فيها الاحتمالات العقلية إلى شطري القسمة الثنائية فهي القسمة الجارية على سنن التدافع بين حزب الرسل عليهم السلام وأتباعهم، وحزب أعدائهم، فلأجلها خلق الخلق ليظهر فيه أثر وصف الرب، جل وعلا، فتؤمن به قلة مؤمنة، وتكفر به كثرة كافرة، فيقع الصدام لزوما وإن تهادن الفريقان حينا، فالسنة الكونية قاضية بوقوع المفاصلة والمناجزة، فيظهر من ذلك من آثار فعل الرب، جل وعلا، القدير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير