تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)، ولذلك كانت نسبة أهل التوحيد: نسبة عالمية إلى دين الإسلام العام: دين الأنبياء عليهم السلام، الذي جمع الرب، جل وعلا، خلاصته في الدين الخاتم المصدق لما بين يده من الدين النبوي الواحد، الناسخ لشرائعه بشريعته التي جمعت كمال ما سبقها من الشرائع، والشاهد أن معاني العدل التي يدل عليها إنزال الكتاب بمحكم الآيات، والميزان ليقوم الناس به، فبه قامت السماوات والأرض، تناقض معاني البغي والطغيان، وتلك معركة الرسل مع أعدائهم فالرسل عليهم السلام يدعون إلى العدل الإلهي بإعطاء كل ذي حق حقه، فلا تفريط ولا إفراط، والطواغيت يدعون إلى الجور فالرسالة تعزلهم من مناصبهم وتقطع أرزاق السحت التي أجريت عليهم برسم الديانة أو الرياسة، فالرسالة تصيب أعدائها في مقتلي: شهوة النفس وشهوة الجسد فالنفس قد جبلت على الطغيان فرعا عن فساد التصور فتظن كمالها وضده من النقص الذاتي اللازم قائم بها على حد قوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)، فجاء بفعل الرؤية العلمية مئنة من شدة تيقنه من ذلك مع بطلانه في نفس الأمر فذلك آكد في بيان فساد تصوره إذ اعتقد على حد الجزم والتحقيق ما هو خلاف الحق الصحيح!، وذلك مئنة من عظم الخذلان، إذ قد بلغ الفساد في القوة العلمية مبلغه فتولد عنه من فساد الحال ما جعل صاحبه ينتحل الباطل الصراح الذي لا يشهد له نقل أو عقل، وإنما محض تقليد للرءوس، بل ويذب عنه، فهو من جنده المخلص، وما ذلك إلا من شؤم خفاء آثار النبوات التي تصحح التصورات العلمية والإرادات العملية فتجري على ما يرضي الرب، جل وعلا، فلصاحبها من صلاح الحال بموافقة الفطرة التوحيدية الأولى التي تسكن ثائرة النفس وشكوكها وهواجسها وتقطع حبال وساوسها التي لا تنتهي، وصلاح المعاش بانتظام أمر الحياة على منهاج أحكام الرسالة، أعدل الأحكام باعتراف أعداء الرسالات، وصلاح المآل إذ صلاح الدنيا بالدين وسيلة إلى صلاح الآخرة به، فهو مادة صلاح البدن والروح معا، وهو معدن السعادة المفقودة في دار الابتلاء وإن عظمت الخطوب وفي دار الجزاء حيث لا حزن ولا هموم.

ولذلك كانت النبوات، كما تقدم، أعظم نعمة ربانية على النوع الإنساني فبها عرف السالك معالم طريق الهجرة إلى الرب، جل وعلا، فلولا الرسل، عليهم السلام، ما عبد الله، جل وعلا، ولولا الرسل ما استقام أمر هذه الدنيا، بل لولا الرسل ما أبقى الله، عز وجل، هذه الأرض، فإنها لا تفنى ما قيل فيها: لا إله إلا الله، ولم تعرف البشرية تلك الكلمة إلا من مشكاة النبوات فهي دعوة الرسل العامة، وهي التي قامت سوق الجهاد لأجلها بين حزب الرسل عليهم السلام وأتباعهم من الموحدين، وحزب أعداء الرسالات وأتباعهم من الكفار المكذبين، فإذا شاء الرب، جل وعلا، خراب أرض قطع ذكره منها، فلم يعد يقال فيها الله الله، أو أمر مترفيها بقضائه الكوني النافذ فأهانوا اسمه أو وصفه، لتظهر بذلك آثار أوصاف جلاله القاهر، فتحل نقمته على أولئك إذ آسفوه فاستوجبوا انتقامه، فصلاح هذا العالم ببقاء الرسالة أو آثارها، فلن تعدم أرض فيها ذكر الرسالات، ولو مبدلة، من بركة بها تحفظ، فكيف بأرض قد ظهرت آثار الرسالة المحفوظة فيها، أليست أولى بالحفظ والصيانة بمقتضى قضاء الرب، جل وعلا، وسنته الجارية في كونه، ولذلك كان إظهار الشعائر، ولو اختلف في وجوبها كالأذان فإن من أهل العلم من قال بأنه سنة مؤكدة، ومنهم من أوجبه على الكفاية، كان إظهار تلك الشعائر علامة فارقة تتمايز بها دور الإيمان من دور الكفران، فيظهر في الأولى من بركتها ما لا يظهر في الثانية، ولذلك اتفق كل العلماء مع اختلافهم في حكم تلك العلامات الفارقة هل هي واجبة أو مستحبة، اتفقوا على وجوب تعزير من عطلها إن كان واحدا أو جماعة غير ذات شوكة، أو قتال من عطلها إن كانوا جماعة ذات شوكة، إذ لو سلم بأنها من السنن غير الواجبة ما جوز ذلك تركها بالكلية فإن ترك المستحب بالكلية مئنة من نقص في دين ومروءة التارك وذلك ما يوجب تعزيره، فالمستحب إن تركه الفرد بالكلية لحقه الذم وعليه يحمل قول الإمام أحمد في تارك الوتر، فهو سنة واحدة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير