تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من جملة متكاثرة من السنن، ومع ذلك استحق المداوم على تركها الذم وإن لم يستحق العقاب الشرعي المقدر لكون الوتر غير واجب على الراجح من أقوال أهل العلم، فكيف بتارك جملة من السنن، بل كيف بتارك جنس السنن، بل كيف بمن تعدى إلى التفريط في الواجبات وذلك كائن لا محالة بالتفريط في المندوبات فهي السياج الحافظ للواجبات فمتى اخترق اخترق ما بعده بداهة كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وقل مثل ذلك إن كان الترك جماعيا فهو مما تذم به الجماعة فلو تواطأت على ترك مندوب، أو حتى مباح كالزواج لصارت أهلا للذم والإنكار إذ ذلك مؤد لا محالة إلى فساد أمر الجماعة وذلك نقيض مراد الشارع، عز وجل، من سن الأحكام وإنزال الشرائع، وبعث الأنبياء عليهم السلام، فرحمتهم التي عمت الموافق والمخالف، هي كما تقدم، مادة صلاح هذا الكون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ: فذلك دال على محذوف دل عليه السياق اقتضاء إذ ذكر الكتاب والميزان مئنة من وجوب العدل في الأقوال والأفعال، فإذا سأل السائل عن علة وجوب ذلك فالجواب: اعمل بذلك الميزان لعل الساعة قريب وأنت لا تشعر فكن منها على حذر وكن من ساعتك التي تنزل بك إذا حان الأجل على حذر، فذلك من التلازم الوثيق بين أمر الربوبية إذ تتضمن إنزال الكتب وإقامة موازين العدل وفق ما جاءت به النبوات فلا عدل يرتجى في غير أحكامها، ومن وافقها ففرع لا يحتج به على أصل إذا خالف، ولا يفرح به إذا وافق إن كان يعتقد أنه الأصل والنبوة فرع عنه! كما يقع من كثير من العلمانيين الذين يرومون تسوية الشرائع على أهوائهم بإسقاط ما لم ترتضه عقولهم أو أذواقهم مع نقصها الجبلي وفسادها الذي عرض لها بمخالفة النبوات، فالنقص فيها ذاتي لازم فكيف وقد طرأ عليها الفساد بمخالفة شريعة رب العباد؟!.

ثم بين حال المكلفين مع الساعة على حد السبر لأوجه القسمة العقلية قسمة: (فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)، فإن حال الأولين قد دل عليه معنى التجدد والحدوث في المضارع:

يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا: فذلك من فساد تصورهم العلمي الذي أنتج تلك الحركة القلبية الفاسدة فصار رسمهم الاستخفاف على حد: (ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، فهو مئنة من الاستهزاء والمكابرة

وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ: فذلك جار مجرى طباق السلب إمعانا في بيان اختلاف الحالين فرعا عن اختلاف التصور العلمي لكليهما، فالأولون قد جهلوا فتولد من ذلك ما تقدم من فساد الإرادة القلبية وعنها تتولد أجناس من الفساد العملي تظهر لا محالة على جوارح كل كافر مارق، والآخرون على الضد من ذلك فقواهم العلمية المكتملة قد أنتجت حركة قلبية نافعة، فالمؤمن مشفق لا على حد اليأس والقنوط، وإنما على حد: "مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ"، فهو الخوف الإيجابي الذي يولد في النفس همة تحمل صاحبها إلى معالي الأمور وتحجزه عن سفسافها، فليس خوف اليائس العاجز الذي أقعده القنوط عن العمل إذ أساء الظن بالرب الكريم الشكور، جل وعلا، فحاله على الضد من حال من غرته الأماني فأساء الظن بالرب ذي الجلال والجبروت فلم يحسن دعاءه بوصف جلاله الذي يحمل العبد على الكف، فتطهر نفسه وتصير محلا قابلا لآثار أوصاف الجمال من الفعل طلبا لمغفرة الرب، جل وعلا، ورحماته الكونية والشرعية السابغة، فرحمته قد عمت فيوضاتها الدارين: فرحمة عامة بالخلق في دار الابتلاء وأولى الناس بها أهل الإيمان وإن حجبت عنهم فتمحيصا لقلوبهم إذ العقبى لهم لا محالة فذلك وعد الرب جل وعلا الصادق: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، ورحمة خاصة بالمؤمنين في دار الجزاء فهي تأويل آثار صفات جماله بإكرام أوليائه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير