تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أعياد وطقوس لا يشركهم فيها غيرهم إلا على سبيل المجاملة الباردة في محافل الحوارات الوهمية بين الأديان السماوية، ولا يفصل النزاع بين تلك المتضادات الكونية والشرعية إلا كتاب منزل، فلا يحسم مادة الخلاف في الشرعيات إلا النبوات فهي المعيار العام الذي توزن به العادات والأخلاق والأعراف، ولذلك قرر علماء الأصول في معرض بيان دلالة العرف على الأحكام بأنه لا اعتبار لعرف يصادم نص الشرع، فاصطلاح الناس على الفجور لا يصيره برا، واصطلاحهم على مباشرة الموبقات من تناول مسكرات ومقارفة فواحش لا يصيرها منجيات أو مباحات، ولكل أمة عقلها الجمعي، بل لكل مدينة أو قرية عقل جمعي يميزها عن بقية البقاع فقرية كذا قد اصطلحت على عرف كذا ..... إلخ، فلو رد الأمر إلى العقول لعطلت الشرائع، كما هو الحال في زماننا، فإن كلا يسن ما يروق له من الأحكام، ويتصرف فيها بالتعديل حذفا وإضافة متى شاء ليحقق منفعته الخاصة ولو بإهدار المنفعة العظمى العامة، فلا اعتبار في شرع الأفراد إلا لمصالحهم القاصرة، فذلك فرع عن افتقارهم، فيحدثون ما يحتاجون إليه لحفظ رياساتهم ووجاهاتهم، دينية كانت كما اطرد في طرائق باباوات وقساوسة الكهنوت الذين يحكمون ما شاءوا وينسخون ما شاءوا ويحدثون ما شاءوا فهم نواب المسيح عليه السلام في الأرض على حد الاستقلال فلا يقدر على مراجعة أحكامهم أو نقضها، فأحكامهم لا تقبل النقض! فذلك رسم الطغيان والجور في الأديان المبدلة والطرائق المحدثة كما وقع ذلك من غلاة الإسلاميين في الأئمة والأشياخ فنزلوهم بلسان الحال وبعضهم بلسان المقال منزلة الأرباب التي تضع الشرائع والطرائق العلمية والعملية ولو على خلاف الرسالة السماوية، فشيخ الطريقة أعلم بحال كل مريد فلكل ما يلائمه من الأذكار والرياضات ليصح سيره على الطريق فيكون سالكا على رسم طريقة كذا إلى ما سبقه إليه المحققون الذين وصلوا إلى منازل لا يعلمها إلا الله، فبعضهم تخطى بولايته مرتبة الرسالة والنبوة، وبعضهم خاض بحارا لم يخضها الأنبياء عليهم السلام ولعلهم خافوا البلل!، ولا اعتبار في تلك الطرائق للرسالة إذ أصحابها من الجفاة في حقها الحاطين من قدرها وإن أظهروا بلسان مقالهم تعظيمها، فإن تلك دعوى لسانية تكذبها القرائن الحالية، فكل يدعي موافقة الكتاب والسنة وهو ينقضهما نقضا بأذكاره وأحواله، والقدح في مقام النبوة أمر قد اجتمع عليه كل محدث في الديانة وإن اختلف الطرائق الحادثة، فذلك، كما تقدم، فرع عن تباين العقول واختلافها فعقل فلان يستحسن ما لا يستحسنه عقل فلان، وذوق فلان يستحسن ما لا يستحسنه ذوق فلان، والسر في كل تلك الطرائق الحادثة سواء أكانت مللا أم نحلا: طغيان الرءوس ومنازعتهم للرب، جل وعلا، منصب التشريع، فهم أنداد له فيه، واختلاف وتباين العقول والأذواق، والحط من قدر النبوات بتقديم العقل أو الذوق عليها فتلك مفاتيح أي ضلال علمي أو عملي في أمر الديانات، وقل مثل ذلك في السياسات الجائرة فإنها الشطر الثاني الذي تظهر فيه هذه المعضلة، فطغيان ساسة الجور من جنس طغيان كهنة الأديان، وإن كان طغيان كهنة الأديان أعظم وأظلم لكونه صادرا باسم الديانة ولها من التعظيم في النفوس ما يحمل التابع على السكوت ولو كان في سكوته ضياع لحقه بل ربما آدميته فتلك ضريبة الخلاص!، بخلاف طغيان ساسة الجور فإنه صادر باسم الدنيا فلا يلقون من التأييد ما يلقاه الأولون، فالمؤيدون لهم في سياساتهم الجائرة فئة قليلة من المنتفعين تحيط بهم وتزين لهم ما يحفظ رياساتهم ووجاهاتهم ومكاسبهم الزائلة، فأهل السياسة يحطون من قدر النبوات، وإن أظهروا لها التعظيم في الأعياد والموالد، فيعارضونها بمعقولهم الذي لا يعتبر إلا المصلحة العاجلة ولو كان فيها تفويت لمصلحة آجلة أعظم، فذلك من سوء تقدير كل من خالف التنزيل، وليس لهم عناية بأمر الجماعة، فالمصلحة الخاصة مقدمة على المصلحة العامة ولو أدى ذلك إلى اضطراب أمر الجماعة، فلا يعنيهم إلا ما يحفظ لهم رياساتهم ولو فسد أمر الجماعة التي ابتليت بهم!، وليتهم أصابوا في ذلك بل وقعوا في عين ما يهدد عروشهم لو تدبروا، وذلك، أيضا، من شؤم مخالفة التنزيل، فالمعايير فاسدة وذلك مئنة من فساد القول أو الفعل الصادر عنها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير