تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا: فذلك من وصف جلاله، فإن شاء أهلك السفن أو الجماعات التي تقلها على القول بعود الضمير على الأفراد بالنظر إلى معنى الجماعة، فذلك مما يجوز الإخبار عن المذكر بالمؤنث، إذ ضمن معنى مؤنثا على سبيل المجاز، على وزان قول أحد الأعراب: جاءته كتابي فلما روجع في ذلك قال: أليس بصحيفة، وفي لسان العرب في مادة "كتب": "وحكى الأَصمعي عن أَبي عمرو بن العَلاء أَنه سمع بعضَ العَرَب يقول وذَكَر إِنساناً فقال فلانٌ لَغُوبٌ جاءَتْهُ كتَابي فاحْتَقَرَها فقلتُ له أَتَقُولُ جاءَته كِتابي؟ فقال نَعَمْ أَليس بصحيفة؟ ". فضمن المذكر معنى مؤنثا فصح إسناد الفعل إليه على حد التأنيث، وعكسه كائن في نحو قوله تعالى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، على القول بتضمين الرحمة المؤنثة معنى الإحسان المذكر فيكون ذلك من باب تفسير الصفة بأثرها، فالإحسان غير الرحمة، إذ هو من لوازمها، ولوازم الشيء غيره بداهة.

وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ: فذلك وصف جماله، فيعفو عن خلق كثير مع استحقاقهم العقوبة وهذا أمر مشاهد في كل الأعصار والأمصار، فالرب، جل وعلا، يحلم عن العصاة الذين سبق في علمه رجوعهم إلى الجادة، ويصبر على مردة الكفار فيوفيهم أجورهم في هذه الدار فلا يظلمهم منها شيئا، فـ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وذلك من تمام عدله بل فضله إذ أسبغ عليهم نعمته الكونية العامة متعلق وصف رحمته العامة: رحمة الرحمن وحجب عنهم نعمته الشرعية الخاصة متعلق وصف رحمته الخاصة: رحمة الرحيم، فعاملهم في الكون بالفضل وعاملهم في الشرع بالعدل، فلا ينفك العبد عن التقلب بين فضل وعدل الرب، جل وعلا، فهو في أمن من الظلم، وإن كان أعتى العصاة وأكبر المجرمين.

وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ: على الرفع استئنافا عند بعض القراء فيكون ذلك من قبيل التذكير بوصف جلال الرب في معرض الترهيب من الجدال في آياته بغير علم.

أو النصب على تقدير دخول لام تعليل على فعل محذوف فيؤول السياق إلى نحو: لينتقم منهم ويعلم، فتكون الواو من قبيل واو الصرف التي صرفت الفعل عن حكم ما قبله فلم تعطفه عليه، إذ لو عطف عليه لجزم، وإنما عطفته على معنى متصيد من السياق كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، وأشار أبو السعود، رحمه الله، إلى وجه ثالث لطيف إذ قرئ بالجزم عطفا على ما تقدم، فيكون ذلك من قبيل استيفاء القسمة العقلية بجعلها ثلاثية: فينتقم من طائفة ويعفو عن ثانية ويحذر ثالثة فيعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من مهرب فيحملهم هذا التحذير بإيراد الوعيد على الكف عن الجدال في الآيات بغير علم.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 07:58 ص]ـ

ومن سورة الرعد:

ومن قوله تعالى:

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ:

فـ: من رب السماوات والأرض: الذي يدبر أمرهن، فالاستفهام على جهة استنطاق الخصم بالحجة، فهم مقرون بذلك ضرورة، فافتقار هذا العالم إلى أول صدر عنه صدور المخلوق من خالقه، فهو الأول فليس قبله شيء، لم يقترن بوجوده الأول على جهة الانفراد والإطلاق فلا قيد لأوليته، لم يقترن بوجوده ذلك: وجود، بل: "كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ"، فخلق الخلق بعلة مؤثرة تامة هي كلمته التكوينية النافذة، فرعا عن كمال أوصافه، فكمال فعله فرع من كمال وصفه، فخلق بفعل الخلق القائم به قيام الصفة بالموصوف، فرعا عن كونه الخالق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير