تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأزلي، المتصف بكمال الخالقية، فهو الخالق، وإن لم يخلق شيئا، فله كمال الوصف ابتداء، وإن لم يصدر منه الفعل إلا تاليا متعلقا بمشيئته النافذة على سبيل التجدد الذي به يتكرر الفعل بتكرار المخلوقات، على حد قوله تعالى: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) فلكل كائن: كلمة تكوينية مؤثرة بها يكون فيصير وجودا في الخارج يتعلق به العلم الثاني، علم: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ): علم الظهور والانكشاف لما سطر في الكتاب الأول إقامة للحجة وإناطة للثواب والعقاب بأفعال وجودية، بعد أن كان عدما يتعلق به العلم الأزلي الأول، علم: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فالعلم المحيط سابق الخلق الحادث، إذ لا يكون خلق بلا علم، فدلالته على العلم دلالة لزوم عقلية لا تنفك عنه، كدلالته على الحياة، فإنه لا يكون خلق إلا من حي، إذ كيف يهب الحياة من لا يتصف بها؟ فهو المتصف بأكمل صورها من باب أول، على حد قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

فجاء الاستفهام عن رب النوعين، فالسماوات يراد بها جنس السماء في مقابل جنس الأرض، فذلك من قبيل الجمع الذي أريد به واحد، كما حكى ذلك الفراء، رحمه الله، في "معاني القرآن"، فالسماوات بمعنى السماء في مقابل الأرض، أو يقال بأن: "الأرض" هي جنس الأرض فتعم سائر الأرضين، فيكون ذلك على الضد من الأول فهو من المفرد الذي أريد به الجمع، ويشهد للأول قوله تعالى: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)، فلم يقل: وما بينهن، فثنى بالنظر إلى الجنسين: جنس السماء وجنس الأرض، ويشهد للمجموع قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)، فذلك نص على تنزل الأمر كونيا كان أو شرعيا، فـ: "أل" مئنة من العهد من جهة كونه صادرا عن الرب، جل وعلا، فهو أمر بعينه يباين أوامر غيره، تبارك وتعالى، ومئنة من الاستغراق الجنسي لعموم ما دخلت عليه فيشمل الأمر التكويني النافذ، والأمر التشريعي الحاكم، فيتنزل على جهة التكرار الذي دلت عليه صيغة: "يتفعَّل" بينهن باعتبار المجموع، فسبع سماوات تقابلها سبع أراضين.

ثم جاء الجواب: قل: الله، فالمسند قد حذف لدلالة السؤال المتقدم عليه، فتقدير الكلام: قل الله رب السماوات والأرض، فالله، عز وجل، بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، رب السماوات والأرض، يقول ابن كثير رحمه الله:

" {الله} عَلَمٌ على الرب تبارك وتعالى، يقال: إنه الاسم الأعظم؛ لأنه يوصف بجميع الصفات، كما قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 22 - 24]، فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له، كما قال تعالى: {وللهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وقال تعالى: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] وفي الصحيحين، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة) ". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير