تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فضلا عما يدل عليه وصف التأله الذي اشتق منه اسم: "الله" على جهة ملاقاة الأوصاف للمصادر التي أخذت منها لا على جهة الاشتقاق الذي يوهم الحدوث، فأسماؤه، عز وجل، أزلية كذاته القدسية، فله الأسماء الحسنى والصفات العلى أزلا، فهو الأول بذاته وأسمائه وصفاته، كما هو الله: ذاتا وأسماء وصفات كما تقدم من كلام ابن كثير، رحمه الله، فاسم الله مشتق من وصف التأله الذي يدل على فعل العبد، فمقابل فعل الربوبية العامة من الله، عز وجل، بالإيجاد والتدبير، فعل الألوهية من العبد بالخضوع والامتثال للأمر الشرعي، فذلك جار على ما اطرد في التنزيل من التلازم الوثيق بين الربوبية والألوهية، فربوبيته، عز وجل، ربوبية عامة، فهي ربوبية إيجاد لجنس السماء والأرض، ولمجموع السماوات والأراضين فذلك من دلالة الإيجاد، وهي ربوبية تدبير بالأمر الكوني، فذلك مئنة من قدرته النافذة، فبكلماته الكونيات تكون الأعيان والأوصاف كما قدر أزلا، فيشاء وقوع الشيء، على جهة التجدد والاستمرار، فكل حركات الكون موقوفة على مشيئته، فيقع بكلماته الكونيات كما قدر أولا، بلا زيادة أو نقصان، وهي ربوبية تدبير بكلماته الشرعيات الحاكمة، ففيها صلاح الدين والدنيا، فيصلح المعاش بالسير على صراط الرق الشرعي المضروب على العباد فهم عباد مسترقون في قيد الشريعة المحكم، ويصلح المعاد بالسير على الصراط المضروب على ظهر جهنم، فمن استقام على صراط الأولى فالتزم أحكام الشريعة: علوما وأعمالا، عقائد وشرائع سواء أكانت شعائر أم معاملات، سياسات وأخلاقا، من استقام بهذا المعنى الجامع، استقام لزوما على صراط الآخرة، فلكل سبب نتيجة، ونتيجة الالتزام بالشرع الحاكم: النجاة في اليوم الآخر.

ولا يخلو تدبيره من دلالة عناية، فانتظام أمر الكون بكلماته الكونيات، وانتظام أمر الأفراد والجماعات بكلماته الشرعيات مئنة من كمال عنايته، عز وجل، بخلقه، فالربوبية، كما تقدم، فيها الإيجاد المعجز، فالرب، جل وعلا، هو المبدع لهذا الكون لا على مثال سابق، وفيها التدبير المحكم، فالرب، جل وعلا، هو الذي يكلؤ الخلق عموما بكلماته الكونيات، ويكلؤ المكلفين خصوصا بكلماته الشرعية.

ومن ثم جاء الاستفهام: قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا: ففيه معنى الإنكار التوبيخي لما قد وقع منهم بالفعل، فقد اتخذوا من دونه، عز وجل، أولياء، يتقربون إليهم على جهة الرغبة في النفع والرهبة من الضر، وإنما خص هذان بالذكر لكونهما مراد العابد الأول من معبوده، فذلك إنما ينشأ في النفس إذا اعتقدت في المعبود قدرة على جلب النفع ودفع الضر، فما صدر هذا الفعل إلا عن تصور سابق، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الظاهر والباطن، فالباطن العلمي منشأ الظاهر العملي، فلا يوجد عمل بلا علم يسبقه، سواء أكان صحيحا أم فاسدا، فالعمل جار مجرى الحكم، والعلم جار مجرى التصور، والحكم اللاحق على الشيء فرع عن تصوره السابق، كما قد قرر أهل النظر، فلما اعتقدوا في معبوداتهم ما لا يكون إلا للرب المدبر، جل وعلا، الذي ينفع بفضله ويضر بعدله، كما أشار إلى ذلك الطحاوي، رحمه الله، بقوله: "يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَيَعْصِمُ وَيُعَافِي فَضْلًا. وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَخْذُلُ وَيَبْتَلِي عَدْلًا"، لما اعتقدوا ذلك في أولئك الأولياء سواء أكانوا مؤمنين أم كفارا، صالحين أم فجارا، ملائكة أم بشرا، جاء التصريح بنفي ذلك عنهم على جهة الإطناب بالتكرار، فتكرار أداة النفي إطناب في موضع يحسن فيه النص على أعيان المنفيات، فيستقل كل فرد منها بنفي يخصه، فاستقل النفع بـ: (لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا)، واستقل الضر بـ: (وَلَا ضَرًّا).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير