تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم جاء الاستفهام في معرض بيان القدر الفارق بين الرب القادر والمربوب العاجز، على ما اطرد في الكتاب العزيز من نفي التسوية بين المتباينات، فذلك ميزان قرآني جامع، فـ: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ): فذكر المتضادين على جهة طباق الإيجاب في معرض نفي التماثل لوقوع التباين، فذلك من الإنكار الإبطالي لوجود القدر الفارق، من باب ضرب المثل، فالقدر الفارق بين الرب، جل وعلا، والمربوب، أعظم بكثير من القدر الفارق بين الأعمى والبصير، وإنما ضرب المثل تقريبا للمعنى لا تصويرا لحقيقته، فإن تصور ذلك يلزم له إدراك كمال وصف الرب، جل وعلا، وذلك مما لا تطيقه عقول البشر، فيشتد الإنكار بتعاظم القدر الفارق بين المتباينين اللذين سوى الجاهل بينهما في الحكم، لجهله بالقدر الفارق بينهما فذلك مئنة من فساده تصوره المتقدم، على ما تقدم من فساد الحكم فرعا عن فساد التصور، فالأول لازم والثاني ملزومه.

أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ: ففيه التفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم فضلا عما فيه من التهكم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ: فذلك نص على مفهوم الاستفهام السابق، فلم يخلقوا أي شيء، بل الله، عز وجل، خالق كل شيء، وذلك من العام المخصوص بالعقل، فلا تدخل ذاته أو صفاته في جملة الأشياء المخلوقة، إذ هو الخالق، جل وعلا، والخالق غير المخلوق بداهة، أو يقال بأن القسمة الثنائية قد دلت ابتداء على ذلك فلا وجه لوقوع مجاز العمومية، بإطلاق العام: "كل" وإرادة الخاص: كل ما سوى الله، عز وجل، فاسم الله، تبارك وتعالى، كما تقدم، يدل على الذات القدسية وما لها من أسماء وأوصاف وأفعال، فحصل التمايز ابتداء بين الخالق، تبارك وتعالى، والمخلوق، وإلى ذلك أشار ابن أبي العز، رحمه الله، في كلمة جامعة في "شرح الطحاوية" فقال: "وَمِنَ الْأَدِلَّة على أَنَّ الرُّوحَ مَخْلُوقَة، قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، فَهَذَا عَامٌّ لَا تَخْصِيصَ فيه بِوَجْه مَا، وَلَا يَدْخُلُ في ذَلِكَ صِفَاتُ الله تعالى، فَإِنَّهَا دَاخِلَة في مسمى اسْمِه. فالله تعالى هُوَ الْإِلَه الْمَوْصُوفُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، فَعِلْمُه وَقُدْرَتُه وَحَيَاتُه وَسَمْعُه وَبَصَرُه وَجَمِيعُ صِفَاتِه - دَاخِلٌ في مسمى اسْمِه فَهُوَ سبحانه بِذَاتِه وَصِفَاتِه الْخَالِقُ، وَمَا سِوَاه مَخْلُوقٌ". اهـ

ثم جاء التذييل: (وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ):

فذيل بوصفي: وحدانية الذات، فذلك مئنة من كمال وصفه الذاتي، فهو الصمد المنفرد فلا شريك له في ذاته أو وصفه، الأول بذاته وصفاته، فلا أول يسبقه أو يقارنه، بل أولية كل ما سواه مقيدة مسبوقة بالعدم، وأوليته، جل وعلا، مطلقة من الأزل، والقهر على جهة المبالغة، فذلك مئنة من كمال وصفه الفعلي، وفيه إشارة إلى جلاله تبارك وتعالى، فالقهر بالكلمات الكونيات النافذة، فلا يخرج كائن عن حكمها، مئنة من جلاله، عز وجل، فالقهر لا يكون إلا بجبروت يعم سائر الملكوت العلوي والسفلي، فله، عز وجل، أوصاف: العظمة والكبرياء والقهر والجبروت على الوجه اللائق بجلاله.

والقصر بتعريف الجزأين قصر حقيقي فلا ند له ولا نظير فهو الواحد بذاته، ولا شريك له في أمره فهو القهار لما سواه بقدره النافذ. و: "أل" في كليهما مئنة من استغراق عموم الوصف فهو الواحد بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو القهار لكل ما سواه، فذلك من العموم المحفوظ فلا يخرج عنه مخلوق.

والله أعلى وأعلم.

ـ[فصيح البادية]ــــــــ[25 - 05 - 2010, 08:18 م]ـ

أستاذي مهاجر

بارك الله لك

لم أجد كلمة غيرها

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 05 - 2010, 08:55 ص]ـ

وبارك فيك أخي فصيح وجزاك خيرا على المرور والتعليق وحسن الظن.

ومن سورة الزخرف:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير