تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 05 - 2010, 08:50 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ):

فذلك من العطف على الموصول الأول لجامع اتحاد الصيغة: "الذي"، واتحاد المسند إليه وهو الرب، جل وعلا، فذلك مما يوطئ للوصل بالعاطف إذ عطف النظير على نظيره أمر جار على لسان العرب على وجه الاستحسان.

والزيادة في مبنى: "نزَّل" بتكرير عينه، فهو من مضعف العين مئنة من الزياة في المعنى، فذلك أبلغ في تقرير المنة الربانية، إذ تنزيل المطر على حد التكرار أبلغ من نزوله مرة واحدة، فتتكرر الرحمات بتكرار نزوله، وإن لم يكن من ينزل عليه أهلا لتلك الرحمات الكونية السابغة، فإن ذلك جار على حد: (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، و: " مهلا عن الله، مهلا، فإنه لولا شيوخ ركع، وشباب خشع، وأطفال رضع، وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا"، كما عند أبي يعلى الموصلي، رحمه الله، في مسنده من مسند أبي هريرة رضي الله عنه، فالرحمة الكونية رحمة اسمه الرحمن، فهي عامة لكل الخلائق مؤمنهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، بخلاف الرحمة الشرعية الخاصة، وأعظمها رحمة النبوات، فهي لأوليائه على حد الاختصاص فليست لغيرهم فلا ينال رحمة الرحيم الأخروية إلا من كان في دار الابتلاء على الطريقة الشرعية.

فنزل من السماء: مَاءً بِقَدَرٍ: فذلك من المطلق الباقي على إطلاقه حتى يتغير بمخالط، وذلك من يسر الشريعة في أمور الطهارة فكل ما صدق عليه وصف الماء بإطلاق فلم يغلب عليه وصف يقيده كماء الورد أو الزعفران فهو طاهر في نفسه مطهر لغيره، وإن استعمل في طهارة، فالعبرة بإطلاق وصفه عن القيد بطاهر يخرجه عن حد المائية المطلقة أو نجس فهو مخرج له عن حد الطهارة من باب أولى، فلا يحل استعماله إلا إذا زال وصف النجاسة بتسخين أو نزح للنجاسة أو إضافة ماء كثير لها تزول به .... إلخ من الوسائل المذهبة لوصف النجاسة الذي علق عليه حكم الحظر فإذا زال الوصف الناقل عن الأصل وهو الطهارة زال الحكم الناقل عن الأصل وهو الإباحة، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وهذا أيضا من صور العناية بالمكلفين بالتيسير في استعمال الماء طالما تحقق فيه وصف الطهارة وإن استعمل كما تقدم أو طرأت عليه نجاسة ثم زالت فأين ذلك الضبط الدقيق للأحكام من تشدد يهود في أمور الطهارة فلا يطهر الموضع الذي باشرته النجاسة إلا بقرضه، وتساهل النصارى الذين جعلوا القذارة أمارة من الديانة وعدوها من مناقب الرهبان فألفت كتب التراجم التي تعد عدم اغتسال فلان من الأحبار أو الرهبان لشهور بل سنين كرامة تستحق الإشادة!، كما حكى صاحب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" رحمه الله وطيب ثراه، طرفا من تلك المخازي، في معرض رصده للظواهر الإنسانية في سائر الملل والطرائق المخالفة لدين الحنيفية السمحة.

فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا: فذلك من آكد صور العناية بالنوع الإنساني، إذ ينشر الرب، جل وعلا، به الأرض الموات بأجناس النبات النافع الذي تحيى به الأبدان، فهو محيٍ لها من الموت من هذا الوجه، فالماء سبب الحياة النباتية والحيوانية، فيتولد الحيوان من ماء النطف، ويتغذى بماء المطر، ويقتات بالنبات والحيوان المأكول وهما لا يستغنيان في أصل وجودهما وبقاء حياتهما عن سبب الماء المحيي الذي أودع الرب، جل وعلا، فيه قوة الإحياء والإبقاء، فـ: (جَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، فذلك من الجعل الكوني في معرض الامتنان بنعمة الماء التي خلق الأحياء من جنسه لا على سبيل الاستغراق لدلالة "أل" على الماهية الجنسية التي تصدق على أي ماء لا على سبيل الاستغراق الذي تفيده "أل" الجنسية المستغرقة لعموم ما دخلت عليه، وتلك، كما تقدم، سنة ربانية جارية، فالخلق ينبتون في الأرحام بمباشرة ماء النطف للبويضات، وينبتون في دار الجزاء بمباشرة الماء النازل لمواطن الإنبات في بقايا عظامهم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع، فنبه على النظير بنظيره في قوله: (كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)، فذلك من القياس القرآني الصريح، فإن سنة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير