تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإحياء واحدة، وآلة الإحياء واحدة، فالعلة الجامعة هي وصف المائية المؤثر في تولد الحياة من الموت بإذن الرب، جل وعلا، فصح القياس، فبعث الأموات من القبور فرع عن بعث الحياة من الأرض الموات بأصناف الزروع، وهذا أحد مسالك التنزيل في إثبات الحشر يوم الوعيد.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 05 - 2010, 12:01 م]ـ

ومن قوله تعالى:

وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا: فالكون قد أقيم على سنة الزوجية فذلك من دلالة الإيجاد المعجز إذ ظهر فيها من آيات القدرة على خلق الشيء ونظيره الذي يسكن إليه فيكتمل به من النقص اكتمال الجزء بالجزء ليصيرا كلا فالزوجية من أظهر آيات القدرة، وبها يظهر أثر اسمه الأحد في صفاته فلا شبيه له، الواحد في ذاته فلا ند له، الصمد المستغني عن غيره بل هو السيد الذي لا يستغني عنه من سواه من الكائنات، وبها تظهر آيات حكمته إذ ركب في كل زوج ما يحتاجه الزوج الآخر فحصل من التقائهما صلاح حال وانتظام أمر هو مئنة من إتقان الصنعة وإحكام الخلقة الربانية، فذلك دليل العلم فهو العليم أزلا بمقادير كل زوج، وما يصلحه وما يلائمه من الزوج الآخر، ففي أزواج البشر: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ)، فذلك زواج الأنفس، لا الأبدان، فالأرواح جنود مجندة تشترك في أصلها الرفيع فيقع من التلائم بينها بلا سابق لقاء ما يثير العجب إذ صادف النظير نظيره فاطمئن له وسكن إليه، و: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)، و: (مِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فذلك زواج أعظم قدرا، فهو الميثاق الغليظ، تتزاوج به الأرواح والأبدان فإن حصل التزاوج بالروح قام أمر الزوجين على صفو المحبة من جنس المودة الرفيع، فحصل لكليهما تمام الاستمتاع المباح بصاحبه، وإن حصل التزاوج بالأبدان وتنافرت الأرواح لاختلاف مادتها، فلم يقع الاشتراك آنف الذكر في أصلها الرفيع الذي يعطف الزوج على زوجه، إن حصل ذلك قام أمرهما على الرحمة فإنما يتعايش الناس بافسلام والأنساب، فإن لم يكن ثم فضل بالمحبة فعدل، فـ:: "زوجها ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها"، وتلك معان رفيعة تدق عن الوصف إذ هي متعلق خلق رفيع المادة لطيف الهيئة: خلق الروح سر الرب، جل وعلا، القائم بهذا البدن الكثيف.

وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ: فذلك من دلالة العناية بهم أن جعل لهم بقدره الكوني الفلك ليركبوها في البحر، والأنعام ليركبوها في البر فأشار إلى أجناس المراكب البرية والبحرية، وأشار ضمنا إلى ما استحدث من المراكب الجوية والفضائية بقوله: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

والجعل هنا بمعنى التصيير، لتعديه إلى مفعولين، وهو أليق بالسياق، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، لأن السفن مصنوعة من الخشب، وهذا معنى التصيير، فهو تحويل للخشب من المادة الخام إلى هيئة السفن المعروفة، وجعل الأنعام في سياق الركوب لا يتطرق إلى خلقها وإن كان يتضمنها فإن كل مواد وقوى العالم مخلوقة للرب، جل وعلا، وإنما المنة هنا بقدر زائد هو كيفية توظيف هذه المواد والقوى ليمكن الانتفاع بها، فالله، عز وجل، خلق هذه الكائنات، وخلق في الإنسان قوة عقلية يباشر بها معالجة هذه الكائنات لينتفع بها على أكمل الوجوه فهذا وجه امتنان آخر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير