تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الركوب، فالعام يتضمن الخاص بداهة، فالامتنان بها كائن في كلا الحالين، وتذكر النعمة حال مباشرتها أدعى إلى شكر المنعم جل وعلا، فتذكرها حال الاستواء على ظهور الدواب والأفلاك أدعى إلى الإقرار بمنة موجدها ومسخرها، جل وعلا، والتذكر إنما ينفع صاحبه إن كان تفكرا في آيات الربوبية في تسخير هذا الكون للإنسان ليستعين به على وظائف الخلافة الشرعية: خلافة الابتلاء: خلافة: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، خلافة: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، فيستدل بتلك الآيات الآفاقية على وجوب إفراده، جل وعلا، بالألوهية، فذلك تذكر الانتفاع لا مجرد التذكر باللسان أو القلب على حد التصديق دون إقرار جازم بالمنة الربانية يولد في القلب إرادات نافعة لازمها صلاح الظاهر قولا وعملا، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، وفيه، كما حكى صاحب التحرير والتنوير رحمه الله، تعريض بالكفار بذكر لازم تلك النعمة من الشكر الذي قصروا في أدائه، فحالهم الجحود وإن أقروا بألسنتهم بانفراده، عز وجل، بالربوبية فلا ينفع هذا الإقرار صاحبه حتي يشفعه بلازمه من كمال إفراده، عز وجل، بالألوهية، فالتمانع في الربوبية لا يكفي لحصول النجاة حتى يولد في صاحبه تمانعا آخر في الألوهية يمنعه من صرف أي عبادة لغير الله، عز وجل، سواء أكانت عقيدة أم شعيرة أم حكما، فمعنى الألوهية يعمها جميعا، ولذلك انتقل بعد ذلك إلى لازم تلك المنة الربانية من التكليف الشرعي:

وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ: فذلك من الخبر الذي أريد به الإنشاء فهو على تقدير: فسبحوا الله، تبارك وتعالى، فذلك لازم إقراركم بنعمته السابغة عليكم أن سخر لكم المركوبات البرية والبحرية، والتسبيخ تنزيها يتضمن الثناء بأوصاف الكمال الثبوتية، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، على ما اطرد مرار من كون النفي، والتسبيح منه إذ هو نفي لأوصاف النقص عن ذات الرب ذي الجلال والإكرام، من كونه في باب الصفات الإلهية متضمنا لإثبات كمال ضد المنفي من صفة الكمال، فنفي السنة والنوم مستلزم لإثبات ضدهما من كمال الحياة، وهذا أصل مطرد في باب النفي في هذا الباب الجليل فإن النفي فيه غير مراد لذاته، فليس مدحا في حد ذاته، بل إن التفصيل فيه مظنة الذم لا الكمال، كمن يمدح السيف بأنه ليس كالعصا على وزان قول الشاعر:

ألم تر أن السيف ينقص قدره ******* إذا قيل إن السيف خير من العصا.

فلذلك حسن الإجمال فيه والإطناب في وصف الكمال، وحسن أيضا شفعه بلازمه في باب الصفات الإلهية من إثبات كمال الضد، فذلك لازم في حق الرب، جل وعلا، غير لازم في حق البشر، فقد ينفى البخل عن إنسان فلا يلزم من ذلك وصفة بالكرم، بل هو لا بخيل يذم ولا كريم يمدح، وذلك غير متصور بداهة في جنب الرب، جل وعلا، فهو المتصف بكمال وصف الكرم وكل أوصاف المدح الثبوتية فلا يكون النفي ذا جدوى في هذا الباب، حتى يشفع، كما تقدم مرارا، بالنص على كمال الصفة الثبوتية المقابلة للصفة المنفية.

ثم جاء التذكير بالبعث بعد الإقرار بالنعمة الربانية فإن تلك صورة أخرى من صور ربوبيته، عز وجل، العامة، فالآيات قد تضمنت صورا عديدة من صور الربوبية ففيها: ربوبية الإيجاد ابتداء فكل الكائنات عن وصف الخالق الفاعل قد صدرت فبكلماته التكوينية الخالقة قد وجدت، وربوبية الإيجاد انتهاء التي دلت عليها هذه الآية، فالعباد إلى ربهم، تبارك وتعالى، منقلبون، وإن طال بهم المقام في دار الابتلاء، وربوبية القهر التي تضمنها الموت فالبعث فالحشر، فالرب، جل وعلا، قد قهر العباد بالموت إظهارا لكمال وصفه بالحياة الأزلية الأبدية، وقهرهم بالافتقار إلى أسباب الحياة من مطعوم أو مشروب ....... إلخ، ليظهر كمال استغنائه عن الأسباب المخلوقة فالخالق، عز وجل، لا يفتقر إلى المخلوق بداهة، بل المخلوق هو الذي يفتقر إليه في كل أطواره إيجادا، ونموا، وإمدادا بالأسباب، وتدبيرا للأحوال، وظهر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير