تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بهذا القهر الجبلي من سننه المحكم في كونه ما ظهر، فالغذاء يتخلل مسالك دقيقة وتستحيل ذاته إلى طاقة عبر تفاعلات كيميائية دقيقة تستهلكها الخلايا والأنسجة للقيام بالوظائف الحيوية نموا وتجددا وصيانة ...... إلخ، فالقهر ليس قهرا بلا حكمة كما يزعم نفاة تعليل أفعال الرب، جل وعلا، بالحكمة، احترازا من الافتقار إلى الغرض، وذلك مما لا يلزم ليحترز منه بنفي العلل، إذ الغرض إنما هو للمخلوق المفتقر إلى السبب لا للرب الغني عن كل سبب، فالمصلحة إنما هي للعباد تفضلا منه، جل وعلا، وامتنانا، فتظهر بها آيات قدرته الإيجادية وحكمته التدبيرية في تسيير أمور البرية بأقداره الكونية النافذة، وربوبية التسخير لتلك الكائنات مع عظم أجرامها ـ فسخر الجمل العظيم للطفل ولما يبلغ، فيركبه ويستقر على ظهره، وربوبية الإنعام بذلك التسخير، وكل ذلك، كما تقدم، من أدلة الإيجاد والعناية التي يظهر بها كمال وصف الرب، جل وعلا، فيلزم منه عقلا، على ما اطرد من القياس العقلي الصريح في آي التنزيل، يلزم منه، كما تقدم مرارا، إفراده، عز وجل، بتمام التأله، فلا تصرف العبادة لملك أو نبي، فإن من سوى الله، عز وجل، وإن بلغ ما بلغ من عظم الشأن والمكانة، والقوة والإرادة لا ينفك عن كونه مخلوقا مفتقرا إلى الرب، جل وعلا، فهو وعابده سواء: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).

فمن يدعوه صراحة يدعو ميتا بالفعل أو القوة فمآله إلى الموت وإن طال بقاؤه، ومن يحتكم إليه ويهمل حكم الرب، جل وعلا، يحتكم إلى عبد ناقص الذات والوصف مثله، فليس له من العلم والحكمة ما للرب، جل وعلا، ليقبل حكمه على جهة التسليم والانقياد، فذلك لا يكون إلا للرب، جل وعلا، وحده.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 06 - 2010, 12:43 م]ـ

وعودة إلى سورة المائدة:

ومن قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ:

فذلك من التذييل للنهي المتقدم عن الصيد حال الإحرام زمانا أو مكانا، فهو مفهوم التقييد بالحال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)، فيفيد الإباحة حال عدم الإحرام بأن يكون الصائد حلالا خارج حدود الحرم، فلما جاء النهي عاما في الآية السابقة: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد)، فتسلط النهي على المصدر الكامن في الفعل وعلى: "الصيد"، وهو بمنزلة النكرة، فـ: "أل" الجنسية تفيد العموم وهو مئنة من الشيوع الذي تفيده النكرة فينزل منزلتها من هذا الوجه، كما قال النحاة في: "أل" في: "الحمار" في قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)، فهي معرفة باعتبار المبنى، نكرة باعتبار المعنى، فالجنسية مظنة التنكير، كما تقدم، ولذلك جاز إعراب الجملة بعدها: (يَحْمِلُ أَسْفَارًا): حالا بالنظر إلى التعريف اللفظي، ونعتا بالنظر إلى التنكير المعنوي، ومثله قول الشاعر:

ولقَدْ أمُرُّ على اللَّئيمِ يَسُبُّني ******* فمضَيْت ثُمَّتَ قلتُ لا يَعْنِيني

فأصل ذي اللام في أصل الوضع لواحد معين، ثم قد يستعمل بلا إشارة إلى معين، فينزل منزلة النكرة لشيوع دلالته فلا يختص بفرد بعينه، كما أشار إلى ذلك شارح الكافية رحمه الله.

فليس المراد لئيما بعينه، فليست "أل" عهدية، وإنما المراد جنس اللئام، وهو مظنة الشيوع، فيصح، أيضا إعراب الجملة بعده حالا أو نعتا على التفصيل المتقدم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير