تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشاهد أن: "أل" في الصيد من هذا النوع، فهي جنسية تفيد الاستغراق لعموم ما دخلت عليه، فتنزل منزلة النكرة، ويكون وقوعها في حيز النهي الذي صدرت به الآية: (لا تقتلوا): نصا في العموم، فالنكرة الصريحة أو المؤولة في حيز النهي: نص في العموم، ودلالة العموم، كما قرر أهل الأصول ظنية، فجاء النص على حل صيد البحر مخصصا لهذا العموم، فالخاص قطعي الدلالة، فأحل لكم صيد البحر فهو مستثنى من جنس الصيد المنهي عنه، فيختص النهي بصيد البر، وذلك وجه امتنان من الرب، جل وعلا، على عباده، فمعنى العناية فيه ظاهر، إذ تحريم الصيد مطلقا يوقع المكلف في الحرج، فجاء التخفيف بحل صيد البحر، وحذف الفاعل للعلم به، فإن التحليل والتحريم لا يكون إلا للرب الشارع، عز وجل، فهو باعث الرسل ومنزل الكتب، ولذلك وقع الخلاف بين أهل العلم في جواز تسمية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مشرعا، أو صاحب الشريعة، فمنع ذلك بعض أهل العلم لأن منصب التشريع تحليلا أو تحريما يختص بالرب، جل وعلا، فهو من أخص أوصاف ربوبيته، إذ يدخل في حد التدبير، فهو إما: كوني بالكلمات الكونية النافذة، وإما شرعي بالكلمات الشرعية الحاكمة، وأجازه بعض آخر، واستدلوا لذلك بنحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ"، فصار قوله في معرض بيان الشريعة: تشريعا ملزما، فيكون مشرعا من هذا الوجه، وقد يقال بأنه صاحب الشريعة أو المشرع بلاغا لا إنشاء، فيجمع بين القولين، فتلك وظيفة الرسل عليهم السلام فـ: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ)، و: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ)، فذلك من جنس نسبة الكتاب العزيز إليه في نحو قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)، فتلك، أيضا، نسبة بلاغ لا إنشاء.

واللام في: "لكم" تفيد الاختصاص، ففيه مزيد تقرير للمنة الربانية على عموم المكلفين، فضمير الجمع يعم سائر المخاطبين، على الخلاف في عموم خطاب الشريعة للكفار، أو اقتصاره على المؤمنين فيكون العموم مخصوصا من هذا الوجه، ولا يخلو في كلا الوجهين من دلالة شمول لأفراد المخاطبين سواء أكانوا أمة الدعوة العامة أم أمة الإجابة الخاصة، وكذلك الشأن في عموم: "صيد البحر": فالمعرف بالإضافة إلى المحلى بـ: "أل" من صيغ العموم، كما قرر ذلك الأصوليون، فيكون ذلك، أيضا، وجه امتنان آخر، بحل عموم المصيد من البحر، فالمصدر: "الصيد" قد أريد به المفعول المصطاد، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وهو عموم محفوظ عند جمهور أهل العلم، ويشهد له قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"، فلم يخص عموم المضاف إلى الضمير: "ميتته"، مع قيام الحاجة إلى البيان، بورود السؤال، فذلك موضع حاجة لا يجوز تأخير البيان عنه، فكان سكوته عن تحريم بعض ميتة البحر، لو كانت محرمة، كان هذا السكوت: بيانا لحل عموم ميتة البحر، وقد خصه بعض أهل العلم، كالحنفية، رحمهم الله، بما يموت بغير فعل الصائد، فما يموت ويطفو على الماء عندهم: محرم، واستدلوا لذلك بحديث جابر، رضي الله عنه، مرفوعا: "مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ وَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ"، وقد أعله أبو داود، رحمه الله، بالوقف، وخص، أيضا، لا على جهة التحريم وإنما على جهة الكراهة ببعض الأنواع المستقذرة، كسمك القرش، على سبيل المثال، فإن له رائحة منفرة، وإن لم يكن محرما، وكره مالك، رحمه الله، أكل خنزير البحر لاسمه، ولم يحرمه، فكأنه نفر منه لمجامعته الخنزير البري المحرم في الاسم، وإن لم يجامعه في الوصف الذي علق عليه التحريم وهو كونه رجسا، كما دل على ذلك قوله تعالى: (أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)، وقد جاء العلم الحديث مصدقا للكتاب العزيز، فتحريم الخنزير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير