تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فـ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"، فمن عجب بعد ذلك أن يزعم قائلهم بأن مناسك الحج مناسك وثنية، وهي قد جاءت بنقل صحيح لا يقدح فيه منصف ولو كان غير مسلم، فاصطفاء الله، عز وجل، تلك البقاع بتلك الفضائل، التي لا تثبت إلا بالخبر الصحيح كما تقدم، من جنس اصطفائه آدم عليه السلام على سائر خلقه، فلم يسلم إبليس بذلك، بل طعن في الحكمة الإلهية وعارض الخبر بفضيلة آدم عليه السلام فهو المخلوق بيدي الرحمن تبارك وتعالى، عارضه بقياس عقله: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، مع ما في القياس لو سلم بجواز إجرائه من فساد، فمادة الطين، كما تقدم في مواضع سابقة، أشرف وأنفع فهي مظنة الرزانة في الطبع والنفع بالشجر والزرع بخلاف مادة النار فهي مظنة الطيش والإفساد بالحرق، فكيف والقياس غير جائز ابتداء، ففضيلة آدم عليه السلام بمنزلة الخبر الذي لا يعارض بقياس أو ذوق، بل الشأن كل الشأن، التصديق بالخبر متى ثبتت صحته، فلما صح الخبر عند الملائكة، وذلك واجب بداهة، فـ: (مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)، ولا واسطة بينهما ينظر في حالها، فقد صدر الأمر على جهة خطاب المواجهة، فامتثل الملائكة دون إعمال لقياس العقل في مقابل النص، كما صنع إبليس، ففازوا وخسر، فكذلك الشأن في البيت الحرام، فإن من تلمس حكمة التوقيف في اختصاصه دون غيره من المساجد بتلك الفضيلة الشرعية العظمى، التي لا تثبت إلا بالنص الصحيح، ولا أصح من خبر الوحي الذي قامت الأدلة المتواترة على صحته، فصار من جملة العلوم الضرورية، فمن تلمس ما حجب عن البشر من تلك الحكمة، فعارض فضيلته الثابتة بفضيلة حادثة لبيوت اتخذها البشر على جهة التعظيم مضاهاة لتعظيم الشارع، عز وجل، لهذا البيت، من فعل ذلك خصوصا، فهو إبليسي المسلك، وليس هذا مخصوصا بهذه الصورة، بل هو عام في كل صور الإحداث في الملل والنحل، فمن خص زمانا لم يخصه الشارع، عز وجل، بفضيلة، يضاهي بها فضيلة مشروعة لزمان مخصوص كشهر الصوم أو أشهر الحج، أو العيدين ..... إلخ، من فعل ذلك فقد وقع في جنس القياس الإبليسي الطاعن في الحكمة الإلهية فلسان حال المبتدع بزيادة، وهو الغالب، أو نقصان، لسان حاله الاستدراك على الشرع باعتبار ما ألغاه، أو إلغاء ما اعتبره.

والشاهد أن الكعبة والبيت الحرام، و: "أل" فيه بعد صيرورته علما بالغلبة على المسجد: عهدية أيضا، وكذلك الشهر الحرام، فـ: "أل" فيه، أيضا، جنسية باعتبار استغراقها للأشهر الحرم، عهدية باعتبار اقتصارها على جزء مخصوص من الزمان، وذلك، أيضا، مما لا يكون إلا بتوقيف من الوحي، والهدي والقلائد: كل أولئك مما يقوم به أمر الناس في الدنيا والآخرة، فمنافع الكسب والتجارة في الأشهر الحرم، والهدي وما يحصل به من الانتفاع بلحومه، والقلائد، ففتلها صناعة يتكسب بها، وجاء النص عليها إمعانا في تقرير جملة المنافع التي شرع الحج من أجلها، حتى شمل ذلك تلك الصناعة الدقيقة، فانتفع أهلها بالموسم من هذا الوجه، ثم ذيل بعلة ذلك:

ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:

فمن إحاطة علمه أن علم من الأزل: الأزمنة والأمكنة الفاضلة وما يشرع فيها من العبادات والمناسك، فشرع ذلك على ألسنة رسله لينتفع العباد بها في عاجل أمرهم وآجله، وذلك من العناية بهم بمكان.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 06 - 2010, 06:03 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير