تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذلك من أدلة العناية الربانية بالعباد بشرع ما فيه نفعهم، فإن للحج غايات دينية ودنيوية بها يصلح حال المكلفين عاجلا وآجلا، فـ: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، فتلك من أعظم وجوه الانتفاع لتعلقه بالمآل، وتلك منفعة دينية عظمى تتضاءل أمامها المفاسد الجزئية التي تعرض للحاج فإنفاق المال وتجشم عناء السفر، لا سيما في الأعصار التي يقل فيها الأمن وتكثر فيها مخاطر الطرق، وهو أمر لا يجد كثير من الحجاج في زماننا أثرا له، لغلبة الأمن على البلد الحرام، وعلى الطرق المسلوكة إليها، وذلك، أيضا، من أدلة عناية الرب، جل وعلا، بعباده، أن شرع لهم المناسك على جهة التيسير فـ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، فذلك الأمن الذي يرفع آخر الزمان، ذلك الأمن من دلائل النبوة، فقد بشر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولما يمكن الله، عز وجل، لدينه بعد، ففي حديث عدي، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: "فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ"، فجاء الشاهد تأويلا لتلك البشرى، وبه استدل من استدل من أهل العلم على جواز سفر المرأة إلى الحج بلا محرم، إن كانت في رفقة آمنة من نسوة ثقات، وهذا قول الشافعية، رحمهم الله، ولهم قول آخر بإجزاء السفر مع امرأة واحدة ثقة، وتوسه بعضهم فأجاز ذلك بلا محرم، فهو سفر واجب، كسفر من أسلمت في دار حرب، فيجب عليها الهجرة إن استطاعت إلى ذلك سبيلا، أو سفر من لها مال في بلد بعيدة فلا تأمن ضياعه إن وكلت غيرها في استيفائه أو إدارته، وقصر بعض آخر ذلك على المرأة العجوز فيجور لها السفر بلا محرم لأمن الفتنة في حقها، والشاهد من ذلك: الإشارة إلى نعمة الأمن الذي امتن الله، عز وجل، به على من قصد بيته ملبيا دعوة الخليل عليه السلام، فأمر بالإعلام على جهة الأذان، والأمر إما للخليل عليه السلام، وهو الأظهر، وإما للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيكون الأذان في حقه بلاغا، فذلك من خصائص منصب الرسالة، فبلاغ الوحي الخاص على جهة التشريع الملزم أمر لا يشرك النبي فيه غيره، فهو صاحب الشريعة المبلغ لنصوصها أخبارا وأحكاما فما زاد وما نقص، وإنما بلغ كما أمر فـ: (لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)، وأما البلاغ العام، بلاغ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً" فهو عام في حق كل المكلفين، فمن علم خبرا أو حكمه لزمه البلاغ، وإن لم يكن عالما بالمعنى المعهود، فهو عالم بما يبلغه وذلك كاف في قبول خبره إن كان عدلا في خلقه ثقة في نقله، فالأذان، على كلا الوجهين، أذان شرعي صدر من نبي، فجاء الجواب على جهة الجزم في جواب الأمر مئنة من سرعة الامتثال، فذلك أبلغ في تقرير المنة، فامتثال الأمر بشد الرحال إلى البيت الحرام، نعمة عظيمة، عند التدبر والنظر، ففيها جملة من المصالح يرجع نفعها على العباد فربهم، جل وعلا، عن سفرهم ونسكهم لغني، فـ: " يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي"، وجاء التنويع في بيان أحوال من قصد البيت على جهة التعظيم بحج او عمرة، فالحال: "رجالا": قد دلت على الشطر الأول من شطري القسمة العقلية لأحوال المسافرين، فيأتون سائرين على الأقدام، وفي ذلك من المشقة ما لا يخفى، فتقدم ذكرهم تنويها بشأنهم وتعجيبا من حالهم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ثم جاء الشطر الثاني عقيب الواو التي جاءت للتقسيم، فـ: (على كل ضامر): فذلك شطر الراكب في مقابل شطر الماشي، فتأخيره في الذكر تدرج من الأعلى إلى الأدنى في الأجر، فالأجر على قدر المشقة التي تأتي عرضا لا قصدا، فليس في الحنيفية السمحة تعبد بتحصيل أسباب الحرج والمشقة، فذلك مسلك رهبان الأمم الذين غلوا في جانب العمل وجفوا في جانب العلم، فوقعوا في جملة من البدع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير