تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 06 - 2010, 05:39 ص]ـ

ومن سورة الزخرف:

ومن قوله تعالى:

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ:

أي صيروا أو اعتقدوا له في تناقض عجيب أفاده تقدم الوصف على موصوفه المنكر فصار حالا، وهو أبلغ في الإنكار باستحضار تلك الحال الحادثة، فهي حال عجيبة تدعو إلى الدهشة والاستنكار إذ جمعوا بين النقيضين: الخالقية والمخلوقية، فإن اتخاذ الملائكة بنات لله، عز وجل، ولازم ذلك الاتحاد في الماهية إذ الولد من جنس أبيه، وهي مع ذلك من عباده، فكيف يصح في الأذهان الجمع بين اعظم متناقضين: الربوبية والعبودية، فيجتمع في الملائكة وصف الربوبية، فذلك لازم البنوة، ووصف العبودية فهي من جملة عباد الله عز وجل.

ثم ذيل بعلة ذلك الفساد في التصور على حد الفصل: إن الإنسان لكفور مبين، فجحوده مبين قد جاء مؤكدا باللام المزحلقة، وتنكير الوصف مئنة من العظم فضلا عن وصفه بأنه مبين.

أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ: فذلك إضراب انتقالي إلى الإنكار عليهم دعوى اتخاذ الرب، جل وعلا، البنات، ففيه ذم آخر غير الذم الذي ذيلت به الآية السابقة فلم يبطله وإنما انتقل منه إلى وجه آخر من وجوه الإنكار، فالإنكار هنا بالإنشاء الذي أفاده الاستفهام الإنكاري الإبطالي لما بعده، إذ ما بعده باطل غير كائن بداهة، والإنكار الأول: إنكار بالجملة الخبرية المؤكدة بالناسخ واللام، كما تقدم، لذلك حسن الفصل بينهما فلا عاطف بل استأنف بالاستفهام لعدم التناسب اللفظي بين الخبر والإنشاء، فالأصل في العطف: التماثل فيعطف الإنشاء على الإنشاء، والخبر على الخبر، على تفصيل في ذلك أشار إليه ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب"، فقد أجاز بعض النحاة ذلك، وإن كان خلاف الأصل، والتنزيل جار على ما اشتهر في لسان العرب إمعانا في البيان الذي تقام به الحجة الرسالية.

وتوجه الإنكار إلى الاتخاذ أبلغ في نفي أوصاف النقص عن الباري، عز وجل، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فهو يشمل الاتخاذ بالولادة، والاتخاذ بالتبني، وسائر صور الاتخاذ، لدلالة تسلط الاستفهام وهو قائم مقام النفي على المصدر الكامن في الفعل: "اتخذ"، فيفيد النفي العام لكل صور اتخاذه، عز وجل، للولد، فذلك من معاني النقص المطلق التي يتنزه عنها الباري، عز وجل، فلا ينفك الولد، وإن كان كمالا من وجه في حق البشر، لا ينفك عن نقص لازم، فمعنى الافتقار إلى الولد لا ينفك عنه، وهو معنى منتف عن الباري، عز وجل، بداهة فهو الغني عن خلقه، بل هم المفتقرون إليه في كل شأن خاص أو عام، ديني أو دنيوي، فيفتقرون إلى الوحي مادة حياة أرواحهم ويفتقرون إلى الزرع مادة حياة أبدانهم، فيفتقرون إليه إيجادا وإعدادا وإمدادا، فتلك من علامات تفرده، جل وعلا، بربوبية الإيجاد والعناية، محل البحث، ومجيء الصلة مشتقة من مادة الخلق أبلغ في إبطال معتقدهم لوقوع التباين بين جنس الخالقية وجنس المخلوقية، فليس الخالق كالمخلوق بداهة ليصح اتخاذه صاحبة أو ولدا منه، فإن الأعلى لا يتخذ من الأدنى، ولا يتخذ الزوج زوجا إلا من نظيره فذلك من القياس العقلي الصريح، والرب، جل وعلا، لكمال تفرده بأوصاف الكمال ذاتا وصفات، لا نظير له ليصح اتخاذه زوجا منه، فانتفى الولد لزوما إذ لا ولد بغير زوجية، فإن ادعى أحد التولد بلا زوجية، كأصحاب مقالة التولد الذاتي من الفلاسفة، فإن نفي الاتخاذ على ما تقدم من عمومه مبطل لادعائهم فهذا دليل الخبر، وأما دليل العقل فهو ما يلزم من ذلك أيضا من اتخاذ الخالق ولدا من المخلوق، وهو لا ينفك عن معنى افتقار ذاتي لازم للمتخذ، والرب، جل وعلا، كما تقدم، منزه عن كل صور الافتقار، فهو الخالق لما سواه فلا يفتقر إلى ما خلقه بيديه، فذلك داخل في حد دلالة الإيجاد والاختراع فالموجد غير الموجَد، فلا يماثله في الكيف وإن شاركه على جهة الإطلاق لمعاني الصفات فذلك اشتراك لا يلزم تشبيه أو تمثيل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير