تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فأسعد البيوت ما أقيم على صفو المحبة من الود فإن لم يكن فرحمة تصلح بها العشرة في ظل الشرع العاصم من الظلم والتعدي إن لم يكن ثم ود ومحبة، وذلك من آيات الرب، جل وعلا، في خلق الأزواج فهو من أظهر صور العناية بالأرواح بإشباع حاجتها من الود والرحمة، والأجساد بإشباع حاجتها الفطرية إلى ما يحفظ العفة ويقي من الفتنة، فكل تلك الصور الباهرة من صور عنايته العامة بخلقه على اختلاف الأنواع والأفراد.

وأما عنايته الخاصة فهي الهداية التي أكدها الخليل عليه السلام بـ: "إن" وصدرها بالسين الدالة على قرب الاستقبال إبطالا لظن قومه أنه سيضل إن ترك ما اعتقدوا فيه الهداية وهو عين الغواية، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فيهدي من اصطفى من عباده هداية شرعية خاصة: هداية التوفيق والإلهام إلى التصديق بخبر الرسالات فيحصل له تمام الانتفاع بأشرف أجناس النعمة: النعمة الدينية، وأعظم أفرادها: نعمة الوحي المنزل على قلوب صفوة الخلق، عليهم السلام، لدلالة البشر على مراضي الرب، جل وعلا، لتمتثل، ومساخطه لتجتنب.

فكل تلك النعم هي أثر هدايته، عز وجل، لخلقه، في أديانهم وأبدانهم، فكيف لا يفرد من ذلك وصفه من ربوبية الإيجاد والإنعام بأجناس التأله والعبودية؟!، وإنما دار التنزيل في مجمله على تقرير هذا الأصل فهو أصل الأصول المنجي فـ: لا إله معبود بحق شارع حاكم بعدل سواه فرعا عن لا رب صانع مدبر سواه.

وتلك هي الكلمة الباقية فـ: جَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فنكرت تعظيما فهي أجل الكلمات الشرعيات التي جاءت بها النبوات، فهي شهادة التوحيد فلا إله معبود بحق إلا الله الخالق المدبر، فهو الرب بحق، جل وعلا، فذلك كما تقدم، مقدمة الاستدلال العقلي الصحيح، وهو الإله المعبود بحق فهذه النتيجة البدهية لتلك المقدمة الضرورية، فإن أدلة الربوبية قد تواترت نقلا وعقلا وفطرة وحسا، فصارت من جملة العلوم الضرورية، فهي العمدة في استدلال النبوات في مسألة توحيد الألوهية، فـ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فصدر بحكم إفراده، جل وعلا، بالعبادة، وذيل بعلته: "الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ"، فالكلمة الشرعية بإفراد رب البرية، جل وعلا، بتوحيد الألوهية هي ميراث الحنيفية الإبراهيمية فجعلها إرثا في عقبه فـ: (وَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، وهي، كما ذكر صاحب "الأضواء" رحمه الله، دعاؤه لذريته: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، وهي دعاؤه ببعث النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فـ: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعوة أبيه إبراهيم عليه السلام، فدعا الله، عز وجل، أن يبعثه بالكلمة التي لأجلها خلقت السماوات والأرض، وبها كلف الجن والإنس.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 06 - 2010, 06:12 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير