تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 06 - 2010, 05:55 ص]ـ

وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ:

فذلك من قصر القلب لمعتقد النصارى الذين ظنوا فيه الربوبية فجاء النص على ضدها من العبودية بأقوى أساليب القصر: النفي والاستثناء، والعبودية من وجه آخر عبودية تشريف، فمقام العبودية أشرف مقامات البشر فكلما تمكن المكلف في هذا الباب بقلبه استسلاما وبجسده انقيادا، فالعبودية تنشأ أول ما تنشأ في القلب بتصور علمي صحيح يورث القلب محبة وإرادة استسلام للرب، جل وعلا، وتلك أنفع الإرادات فإذا سلم الملك أصلا سلمت بقية الجند فرعا، فسلم اللسان بالإقرار وصدقت الجوارح بالأعمال، وأحق الناس بهذا الوصف الشريف: الأنبياء عليهم السلام، فإنهم أعظم من حقق مرتبة العبودية باطنا وظاهرا، وفي حديث الثلاثة: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ".

وذكر الإنعام، وهو مئنة من عناية الرب جل وعلا بعبده المسيح عليه السلام، ذكر في هذه الآية مجملا وبين في مواضع أخر من التنزيل، كما أشار إلى ذلك صاحب "أضواء البيان"، رحمه الله، بقوله:

"وقوله هنا: {عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْه} لم يبين هنا شيئاً من الإنعام الذي أنعم به على عبده عيسى، ولكنه بين ذلك في المائدة، في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ اذكر نِعْمَتِي عَلَيْكَ وعلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس تُكَلِّمُ الناس فِي المهد وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأكمه والأبرص بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الموتى بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بني إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بالبينات} [المائدة: 110] وفي آل عمران، في قوله تعالى: {إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسمه المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدنيا والآخرة وَمِنَ المقربين} [آل عمران: 45] إلى قوله: {وَمِنَ الصالحين} [آل عمران: 46] إلى غير ذلك من الآيات". اهـ

فنعمته، عز وجل، على روحه، عليه السلام، الذي صدر منه صدور المخلوق المشرف من خالقه، فهو العبد الذي أنعم الله، عز وجل، عليه بجملة من النعم والآيات في معرض التحدي وإجابة لسؤل الأتباع كما في معجزة المائدة التي استجاب الرب، جل وعلا، للمسيح عليه السلام، فأنزلها عيدا، وهو العبد الذي نطق في المهد بربوبية من قال له كن فكان بلا أب، فبالكلمة كان المسيح عليه السلام، وهو العبد الذي أجرى الله، عز وجل، على يديه إحياء الموات بإذن الرب، جل وعلا، الكوني النافذ، فباشر سبب الإحياء من تقدير الأجساد طينا والنفخ فيها، فكانت الحياة بإذن بارئها، عز وجل، وهو العبد الذي أعلمه الله ما يدخر العباد مما ذكر اسم الله، عز وجل، عليه، فليس إخباره من جنس إخبار الشياطين للكهان بل هو من إخبار الملائكة للأنبياء وشتان وحي الرحمن الصادق ووحي الشيطان الكاذب، فإن صدق فبكلمة يسترقها فيكذب عليها مئة كذبة يصطنعها، ولا بد أن يقيم الله، عز وجل، بمقتضى ما كتب على نفسه من الرحمة وما اتصف به من الحكمة، لا بد أن يقيم الدليل السالم من المعارضة المعجز لكل أجناس البشر، على صدق النبي وكذب المتنبئ، فإعجازه ليس لفئام دون فئام كخوارق الكهان، بل لا بد أن يظهر الفارق بين معجزة النبي وخارقة الكاهن فالأولى معجزة للنوع الإنساني لا يقدر على مثلها إلا نبي، لا على سبيل المعارضة بل على سبيل التأييد والمعاضدة، فآيات الأنبياء عليهم السلام يصدق بعضها بعضا بخلاف خوارق الكهان التي يعرض بعضها بعضا فيأتي الساحر أو الكاهن بما يبطل به سحر آخر، فهم طلاب رياسة على رسم الطغيان، فلا بد أن تقع بينهم المشاحة لحظوظ النفس الطالبة للعلو في الأرض بغير الحق، بخلاف الأنبياء الذين تجردوا من حظوظ أنفسهم فليس لهم في الرياسة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير