تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عز وجل، فرع عن كمال ذاته القدسية فلكل ذات ما يلائمها من صفات الكمال أو النقص، فكمال وصف الرب، جل وعلا، فرع عن كمال ذاته القدسية، ونقصان وصف المخلوق فرع نقصان ذاته الطينية.

ووقوع المعاصي والآثام من البشر المجبولين على الخطأ والنسيان ذريعة إلى ظهور آثار أسمائه: الغفور والرحيم والستير.

وجعل الناس شيعا متباينة في المقالات والآراء ووقوع المدافعة بين الأبدان في ساحات الجهاد فرعا عن وقوع المدافعة بين الأديان، فذلك حتم لازم، فلا يرضى الحق بالباطل ولو أعطى الدنية فرضي ما رضي الباطل إلا أن يظهر عليه، كل أولئك مما تظهر به آثار أسماء الجلال، فهو النصير لأوليائه القاهر لأعدائه، العزيز فلا ينال، فمن لجأ إليه واعتصم به أعزه، ومن نأى عنه ونكص على عقبيه أذله، فله من أوصاف الجلال ما ينصر به أولياءه تأويل قوله تعالى: (ِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

وهكذا تظهر في كل حركة في هذا الكون آثار من أوصاف ربنا، عز وجل، الكاملات، فلصفات الجمال مواضعها، ولصفات الجلال مواضعها، ولكل موضع ما يلائمه فمقام الانتصار من أعداء رسله عليه السلام بإهلاكهم بأجناس العذاب: مقام جلال، ومقام غفران ذنوب العائدين وقبول توبة التائبين: مقام جمال.

ويقال أيضا بأن استخلاف بني آدم على جهة الابتلاء من الرب، جل وعلا، نوع تكريم امتاز به الإنسان عن بقية الكائنات، كما قد نص التنزيل على ذلك: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، فهو من أدلة العناية بالنوع الإنساني، فالاصطفاء، كما تقدم، مظنة التكريم، فاستخلف الإنسان في الأرض، وخلافته كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين: خلافة للرب، جل وعلا، على جهة الكمال، لا عن نقص في المستخلِف، تبارك وتعالى، فاستخلفه ابتلاء لتظهر آثار قدرته وحكمته، لا لعجزه عن تسيير أمر كونه، أو لخفاء أمور خلقه عنه، كما يقع من المستخلِفين من البشر الذين ينيبون عنهم من يدبر جملة من أمورهم لعجزهم عن القيام بكل شئونهم، فيخفى عليهم ما يخفى من أحوال من أنابوهم، وذلك أمر مشاهد في الولايات العامة، لا سيما إن كان الزمان زمان جور، فملوك الجور لا ينيبون عنهم إلا من يثقون في ولائه المطلق، وإن لم يكن أهلا، فمناط الأمر عندهم: إحكام قبضتهم على ممالكهم، ولو بالجور والعدوان، فلا ينيب من ذلك وصفه، في أغلب أحواله، إلا جائرا مثله، فيخفى عليه ما يخفى من أمره، إذ ليس حريصا ابتداء على تفقد حاله أعادل هو أم جائر، وإنما يكفيه أنه يحفظ له سلطانه فيما أنابه فيه من الولايات، ولو جار وظلم من تحت يده، والشاهد أن هذه المعاني منتفية في حق الرب، جل وعلا، بداهة، فهو العليم بشئون عباده حالا ومآلا، فـ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، فيدبر الأمور برفع وخفض، وبسط وقبض ..... إلخ من أحكامه الكونية النافذة، ولا تصدر تلك الأحكام على هذا الوجه من الإحكام والإتقان إلا من رب عليم قد أحاط بعلمه سائر خلقه، فيعلم أعيانهم ويعلم أفعالهم، بل هو الخالق لها: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فلا تتصور خلافة في حقه إلا ابتلاء للمستخلَف ليظهر كمال المستخلِف، جل وعلا، على جهة الإخبار عنه بوصف فعله، فبالاستخلاف تظهر آثار أوصافه جمالا وجلالا، وعلى هذا الوجه يصح إطلاق وصف الخليفة على العبد، فهو خليفة عن الرب، جل وعلا، في الأرض، لينظر كيف يعمل، وفي التنزيل: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، فذيل بالعلة، فبتلك الخلافة يظهر مقدور الرب، جل وعلا، الأزلي، في عالم الشهادة، فيناط به الثواب فضلا للمحسن، والعقاب عدلا للمسيء، فقد علم الرب، جل وعلا، حال كلٍ من الأزل، وإنما اقتضت حكمته وعدله ألا يثيب أو يعاقب إلا بعد وقوع الفعل في عالم الشهادة، وبعث الرسل عليهم السلام، بالحجة الرسالية، فـ: (مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير