تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، فيرسل الرسل عليهم السلام بمعلومه الشرعي، ويحصي أعمال العباد فهي من معلومه الكوني، ويقيم عليهم الحجة من أنفسهم فـ: (قَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

وفي حق البشر يقال أيضا، كما قال الفاضل صاحب المقالة آنفة الذكر: الإنسان خليفة عمن سبقه من البشر على جهة النقصان، فذلك في مقابل خلافته للرب، جل وعلا، على جهة الكمال، ابتلاء من الرب، جل وعلا، لعبده، كما تقدم، فالمستخلِف البشري، عادلا كان أو جائرا، لا يستخلف إلا لقصور في مداركه، فلا يحيط مهما أوتي من علم وحكمة بأحوال ما استخلف غيره فيه، وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو أكمل البشر خَلْقا وخُلُقا، يستخلف إذا خرج من المدينة غازيا أو معتمرا أو حاجا، فالجبلة البشرية قاضية عليه وعلى من دونه من باب أولى بقصور المدارك عن الإحاطة بكل معلوم، فليس ذلك إلا للرب المعبود، جل وعلا، فهو العليم بالظاهر والباطن، فعلمه قد أحاط بسائر الموجودات، أعيانا وأفعالا، كما تقدم مرارا، فذلك معنى يحسن تكراره، فبه تدحض شبهات كثيرة في أمور العقائد والشرائع، فإن من تصور إحاطة الرب، جل وعلا، لخلقه بعلمه، سهل عليه الانقياد لشرعه، فهو الأعلم بما يصلح العباد، وهو الأحكم فينزل من الأحكام بقدر، كما ينزل من الأرزاق بقدر، فكل من كلماته النازلة، فيشرع لأمة ما لا يشرع لأخرى، فلكلٍ ما يلائمه، وينزل الأحكام ثم ينسخها، فلكل زمان ما يلائمه، فذلك من كمال حكمته تبارك وتعالى.

ومن صور العناية بالنوع الإنساني في هذا المقام أيضا: أنه هيأ له أسباب الخلافة فسخر له السماوات والأرض والجبال، وسخر له سائر الكائنات فذلك مما يعينه على أداء ما كلف به من إقامة شرع الرب، جل وعلا، في كونه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[20 - 06 - 2010, 06:26 م]ـ

وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ:

على خلاف في مرجع الضمير، فمن جعله عيسى عليه السلام، فتقدير الكلام: وإنه لعلامة على قرب الساعة، إذ ينزل في آخر الزمان لقتل مسيح الضلالة، فتلك من أعظم صور العناية بالبشرية بالقضاء على أعظم فتنة كونية بنزول رسول كريم من أولي العزم عليهم السلام برسم التوحيد المبطل لسائر الملل المبدلة والنحل الحادثة فلا يقبل إلا إسلاما، ولا يرضى لمقالة من غلا فيه إلا إبطالا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، فبكسر الصليب تتطهر النفوس من خبث الشرك، وبقتل الخنزير تتطهر الأحشاء من خبث لحمه، فالرسالات أكمل طرائق تزكية القلوب والأبدان، فنعمتها قد عمت الروح اللطيف والجسد الكثيف، فيستوي كلاهما على سنن الفطرة، فالروح على فطرة: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، والبدن على فطرة: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، فلو فتش الإنسان ما فتش على نعمة أعظم من نعمة النبوات ما وجد فهي التي بها تحصل النجاة في درا الجزاء، وهي التي ينتظم بها أمر العالم في دار الابتلاء فبركتها قد عمت الدارين، فاستغرقت الأعيان والأزمان، فعمت الأبدان والأرواح كما تقدم، فذلك عمومها للأعيان، وعمت الأولى والآخرة، فذلك عمومها للأزمان.

فهو، عليه السلام، العلم على قرب الساعة، فيكون ذلك جاريا مجرى إطلاق المسبب وإرادة السبب، فعلم الساعة هو المسبب عن نزول المسيح عليه السلام، إذ نزوله مؤذن بقرب وقوعها، كما أشار إلى ذلك صاحب "أضواء البيان" رحمه الله، فهو على وزان: (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا)، فأطلق المسبب وهو الرزق وأراد السبب وهو المطر النازل من السماء فالسماء لا تمطر الرزق بداهة وإنما تمطر سبب إنباته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير