تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، وفي سورة فصلت: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ):

وخلاصة القول في أمر الخلافة، كما يقول بعض أهل العلم المعاصرين، أن:

استخلاف الله، عز وجل، للبشر إنما يكون على جهة الابتلاء، فـ: (لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، فيصح من هذا الوجه أن يقال بأن الإنسان خليفة الله، عز وجل، في الأرض، فقد اصطفاه بالتكريم، وعرض الأمانة على غيره فأبى، وحملها الإنسان، فهو بالقدر النافذ والحكمة البالغة إظهار لأوصاف جلال الرب، جل وعلا، ظلوم في حكمه، فذلك مئنة من فساد القوة العملية، جهول في تصوره، فذلك مئنة من فساد قوته العلمية، وذلك من خطاب التغليب، فـ: (مَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، و: (مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)، ومع ذلك امتن الرب، جل وعلا، عليه بتسخير بقية الكائنات له، فقيل للسماء والأرض: (اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، فذلك من القول الحقيقي على كيف لا يعلمه بشر، وإن كان موجودا، فعدم الوجدان بالحاسة لا يستلزم عدم الوجود في الخارج، بل كثير من الحقائق لا يدركها الحس الظاهر، ومع ذلك يسلم بوجودها للخبر الصادق عن ذلك، ولا أصدق من خبر الوحي المحكم الذي أثبت القول لهما فقالتا: (أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، فجاء الحال مجموعا على حد جمع المذكر السالم، وهو جمع ما يعقل عينا أو صفة، كما قرر النحاة فذلك من مراعاة السياق إذ نسب إليهما فعل العقلاء، على الحقيقة، على الراجح من أقوال أهل العلم، أو حتى على المجاز عند من يقول بوقوعه في الكتاب العزيز، فتأويل القول عنده بالانقياد، وهو من التأويل باللازم فلازم قولهما: (أَتَيْنَا طَائِعِينَ): الانقياد التام، ولا يلزم من إثبات اللازم: نفي الملزوم، فلا يمنع إثبات الانقياد: إثبات القول على جهة الحقيقة على كيف لا يعلمه إلا الرب، جل وعلا، كما تقدم، فيثبت القول وهو: الأصل الملزوم، ويثبت الانقياد وهو: الفرع اللازم، فسخرتا على جهة الطاعة إظهارا لمعنى العدل الرباني، ولو شاء لقهرهما على ذلك قهرا، فهو، جل وعلا، القهار المنعوت بمعاني الجلال، فتتعلق بمشيئته النافذة، فجلها من أوصاف الأفعال الحادثة آحادا، القديمة نوعا، وذلك التسخير من أدلة العناية بالنوع الإنساني الذي استخلف على جهة الابتلاء، كما تقدم، فاقتضت حكمته ورحمته، جل وعلا، تسخير قوى الكون له، فبها يكون الابتلاء فذلك من مقتضيات الحكمة، وبها يكون الانتفاع فذلك من مقتضيات الرحمة، ففي الآية إشارة لطيفة إلى دليل الإيجاد للأعيان، فأوجد، جل وعلا، الإنسان والسماوات والأرض والجبال ..... إلخ، بقدرته النافذة، وحكمته البالغة، فأتقن كل شيء، فهو المقدر أزلا بعلمه الأول، البارئ إذا أراد إيجاد المقدور المعدوم فلما يصر موجودا، المصور الذي أعطى كل خلق ما يلائمه من الخصائص والعلامات الفارقة، فلكل كائن وصفه المميز، بل لكل فرد ما يميزه عن بقية الأفراد وإن اتحد الجنس والنوع، وفيها إشارة لطيفة، أيضا، إلى دليل العناية بالنوع الإنساني، كما تقدم، فقد سخر الرب، جل وعلا، قوى الكون لمن قبل حمل الأمانة، فامتن عليه ابتداء بالاصطفاء والتكريم فبيديه خلقه وله أسجد ملائكته، ثم أسكنه جنته، وخلق من ضلعه زوجه، وأهبطه إلى الأرض برسم الخلافة بعد حصول التوبة والإنابة، فنزل مطهرا من الذنب سالما من العيب، بل نزل برسم النبوة فكان آدم عليه السلام نبيا يوحى إليه لا كما يدعي أصحاب مقالة الخطيئة الموروثة التي لم تزل البشرية تتلطخ بأدرانها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير