تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 06 - 2010, 05:43 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ):

فتوجه الخطاب إلى الجماعة بإشارة إلى البعيد مئنة من علو ذات وشأن الرب، جل وعلا، وفي السياق حصر حقيقي، بتعريف الجزأين فذلكم وحده لا غيره الله، وقد يقال بأن نوع الحصر يختلف باختلاف حال المخاطب، فإن كان منكرا، فهو من قصر القلب، فالله هو الرب لا ما ادعيت من الآلهة الباطلة، وإن كانت أعيانها شريفة القدر، كالمسيح عليه السلام، فإن ذلك لا يعني تصحيح ربوبيته بحال، وقد يكون من قصر الإفراد، لو كان المخاطب يعتقد شريكا للرب، جل وعلا، فيفرد الرب، جل وعلا، بمنصب الربوبية ملزوما، ومنصب الألوهية لازما، فقد اقترنا في الذكر، وأضيف لفظ الرب إلى ضمير الجمع فذلك مئنة من العموم، وهو عموم محفوظ لا مخصص له، فالرب، جل وعلا، هو الرب المدبر لشئون جميع الخلائق، فهو الله المعبود بما أنزل من الكلمات الشرعية، لأنه الرب بما أوجد ودبر بما أنزل من الكلمات الكونية، فيؤله، من التأليه، بالشرع لانفراده بأمر الكون: إيجادا وعناية، ثم جاء التذييل على جهة التوكيد لما تقدم من التلازم بين الربوبية والألوهية:

لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ: فإفراده بالألوهية على جهة القصر بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء، فالتقدير كما قد قرر النحاة: لا معبود بحق إلا الله، فتحملت الحال: "بحق" ضميرا على القول بجواز ذلك لما تدل عليه من معنى الاستحقاق فذلك نوع اشتقاق يجيز تحمل اللفظ ضميرا، فليس مشتقا صريحا، ولكنه في قوة المشتق، فالاسم المؤول بالمشتق يتحمل الضمير، كما في قولك: زيد أسد، فيتحمل لفظ: "الأسد" الضمير لتأويله بوصف: "الشجاع"، فهو وصف مشتق، فيتحمل الجامد الضمير إن أول بمشتق بإجماع أهل البلدين كما ذكر ذلك ابن عقيل، رحمه الله، في شرحه، ثم جاء التقييد بالبدل: لفظ الجلالة من ذلك الضمير المستكن في الحال المؤولة بالمشتق، فهو محط الفائدة، فالله، عز وجل، هو المعبود بحق، وتلك نتيجة عقلية صحيحة للمقدمة التي جاءت بعدها: خالق كل شيء، فمنصب الألوهية عبودية وانقيادا وتشريعا، فرع عن منصب الربوبية خلقا وتكوينا، فهو خالق كل شيء، فذلك من العموم المحفوظ، أيضا، وفيه مئنة من التجدد والحدوث، فتلك من صفات الأفعال المتعلقة بالمشيئة الربانية العامة، فاسم الفاعل فرع عن مضارعه في العمل، وإن كان دونه، والمضارع يفيد الحال والاستقبال، فالرب، جل وعلا، يخلق، تقديرا، ويخلق إيجادا فذلك قضاء ما قد قدر في الأزل، فخلقه الإيجادي تأويل خلقه التقديري، وخلقه قد عام كل الأشياء، فخلق الأعيان، وخلق الأوصاف الذاتية القائمة بها، وخلق الأوصاف الفعلية الطارئة عليها، فخلق الحركات والسكنات، فكل ذرة في الكون لا تخرج عن خلقه وتدبيره، فـ: (عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، ففي الآية جملة من العمومات المؤكدة التي ترفع احتمال التأويل بتخصيص أو تقييد، فالمشيئة الكونية خلقا وتدبيرا: مشيئة عامة لا راد لها ولا معقب لكلماتها، وقد جعل بعض أهل العلم عموم هذه الآية داخلا في مجاز العمومية المرسل، فأوله بتخصيص عقلي بدهي، وهو أن الرب، جل وعلا، وهو شيء من جهة الإخبار، وهي أوسع الجهات في الكلام في الإلهيات، فيخبر عن الرب، جل وعلا، بما لا يوصف ولا يسمى به، من قبيل قول أهل النظر: الله واجب الوجود، أو وجوده: واجب لذاته، وقولهم: الله قديم، فالقدم عندهم يكافئ الأولية في النصوص الشرعية، وقولهم: الله شيء، فالشيئية في حقه، جل وعلا، إخبار عن وجوده في مقابل ما زعمه من زعم من الفلاسفة ونفاة الصفات الذين أثبتوا وجودا مطلقا، هو عين العدم، عند التأمل، فلا يوجد مطلق كلي إلا في الأذهان على جهة التصور أو الفرض، فلا حقيقة له في الخارج، بل العدم الذي يوصف بالإطلاق العام، فليس له أي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير