تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وصف يثبت له حقيقة في الخارج، فضلا عن أن يثبت تفرده عن بقية الأشياء، فوجود الخالق، جل وعلا، بداهة، غير وجود المخلوق، فوجوده مقيد: بوجوب كمال ذاته وصفاته القائمة بها، فذلك من الوجوب العقلي الذاتي، وامتناع ورود النقص عليه، جل وعلا، فذلك في المقابل من: المحال العقلي الذاتي، بينما وجود المخلوق على الضد فهو مقيد: بنقص جبلي في أصل الخلقة، فيرد عليه من أعراض النقص البشري التي تنزه عنها الوجود الرباني ما يرد، فكماله على الضد من كمال الرب جل وعلا: مشوب بأعراض النقص الجبلي، فذلك مما لا يذم عليه، فضلا عن أعراض النقص التي يذم عليها من تقصير في حق العبودية، ولو بفتور، فكيف بترك أو جحود؟!، فحصل التباين بين الوجودين، ولو من جهة الأصل، فوجود الرب جل وعلا ابتداء: واجب أزلي أبدي فهو الأول فلم يسبق بعدم، والآخر فلا يطرأ عليه فناء فـ: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، فأطلق الوصف وهو الوجه وأراد الموصوف وهو الذات القدسية بما يقوم بها من صفات الكمال الذاتي والفعلي، المعنوي والخبري، فذلك باق على جهة الوجوب العقلي، فبقاؤه، جل وعلا، ذاتي لا يعلل، كما أن غناه ذاتي لا يعلل، كما أن كماله على جهة العموم فيشمل البقاء والغنى ..... إلخ: ذاتي لا يعلل، فهو الباقي: وصفا، المبقي: فعلا، فيبقي من شاء من عباده في النعيم السرمدي فضلا، أو العذاب السرمدي عدلا، ووجود المخلوق: ممكن، فيسبق بالعدم ويلحقه الفناء، ويتخلله النقص الجبلي آنف الذكر، فلا بقاء له، ولو حينا ينتهي بالأجل المحتوم، إلا بإبقاء الرب، جل وعلا، له، بإصلاح آلته البدنية وسلامتها من الأخلاط الردية، وإمدادها بمادة الغذاء رزقا من السماء فالماء أصل كل حياة، أو رزقا من الأرض، فالزرع قوت ضروري للإنسان والحيوان معا، فينتفع به الإنسان في طعامه سواء باشره أم قدمه للحيوان المأكول فيصله النفع ولو من طريق غير مباشر كما قد تقرر في السلاسل الغذائية في علم الأحياء، فتلك الدقة في التسلسل، فليس كل طعام يلائم كل مخلوق، بل لكل ما يلائمه، فمنه ما يغتذي على النبت، ومنهم من يغتذي على اللحم، ومنهم من قد جمع الوصفين، كالإنسان، فذلك مزيد عناية به فقد خلقه الرب، جل وعلا، على أكمل وصف، فقواه تنتفع بالطيب من الزرع أو الحيوان، فذلك من عموم المنة الربانية فـ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، فذلك عموم هو الأصل إلا أن يرد الدليل الحاظر، و: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، فالأمر بالأكل في الآية قد سيق مساق الإباحة في معرض الامتنان، فلا تكون منة بمحرم بداهة، فجاء القيد بـ: (مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، فمفهومه معتبر، فلم تبح الخبائث مفهوما كما قد أبيحت الطيبات منطوقا، فوصف النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، فذلك وجه آخر من وجوه العناية الربانية بالنوع الإنساني فلا يبيح، جل وعلا، إلا ما طاب ففي تناوله سلامة آلات البدن بمباشرة قوى الاغتذاء لطيب المطعوم ونافعه، فيصير محلا قابلا للروح اللطيف التي لا تبقى في بدن قد مازجته الأخلاط الردية، فذلك مشعر بقرب الرحيل بمفارقة الروح اللطيف للجسد الذي كثفت مادته بورود أسباب النقص والفساد التي تضعفه، وما أكثرها في زماننا فقد أصاب شؤم المعصية حتى الهواء الذي نتنفسه، فضلا عن المطعوم والمشروب الذي أبى الإنسان إلا التدخل فيه فأفسده وجعله ذريعة إلى إصابة البدن بشتى العلل، فما خرج شيء في الكون عن سنته الكونية ودورته الربانية التي فطره الله عز وجل على سلوكها، إلا فسد في نفسه وصار سببا لإفساد من يتناوله، وذلك أمر مشاهد حتى في الأخلاق النفسانية، فما خرج كائن عن وصفه الذي يلائمه إلا فسد وأفسد، وأبرز مثال على ذلك في زماننا: تخنث الرجال وترجل النساء، فقد خرج كل عن طوره، فأصاب المجتمع من الفواحش ما أصابه بخروج كل جنس عن خلائقه النفسانية وطبائعه الجبلية من ملبس وزينة ..... إلخ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير