تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

، وربما عن صفاته الجسدية لاحقا، فصار المرء يحار عند النظر إلى بعض البشر أقوم هم أم نساء؟!، فالشاهد أن كثافة مادة البدن بطروء الأخلاط الردية عليه: ذريعة إلى مفارقة الروح اللطيف لهذا البدن العليل، فذلك من النقص الذي كتبه الرب، جل وعلا، على كل الخلائق، ليمتاز وجود الخالق، عز وجل، الكامل من وجود المخلوق الناقص، فهو، كما تقدم، قد سبق بالعدم وأُتْبِع بالفناء وتخلله ما تقدم من أخلاط المرض وأعراض اللغوب والسنة والنوم .... إلخ، فكلها مئنة من الأفول الذي احتج به الخليل عليه السلام على بطلان ألوهية كل معبود أرضي، فهو ناقص آفل لا محالة بما جبل عليه من نقص الخلقة والهيئة، ليمتاز بذلك كمال الرب، جل وعلا، ذاتا وصفات وأفعالا، فبضدها تتميز الأشياء، فامتاز الخالق، عز وجل، بذاته وصفاته، بل بوجوده، عن وجود المخلوق، فبينهما من التباين ما بينهما، ولو في صفة الوجود، فهي أعم الصفات، فكيف بما اختص به الرب، جل وعلا، من صفات الجمال والجلال، فالتباين فيها كائن من باب أولى، والشاهد أن كل ذلك مما سوغ القول بالتخصيص العقلي للفظ: "شيء" في الآية، فالرب، جل وعلا، مستثنى من هذا العموم بداهة، فهو الخالق بذاته وصفاته الفاعلة، وغيره المخلوق، فليس ثم شيء من ذاته القدسية أو أسمائه الحسنى أو صفاته العلى: ذاتية كانت أو فعلية، ليس ثم شيء من ذلك مخلوق، بينما غيره على الضد من ذلك فهو مخلوق: ذاتا وصفات، فهو الأول، جل وعلا، فله الأولية المطلقة، فكان وليس شيء غيره، فالعرش أول ما نعرف من خلقه، فله، جل وعلا، وصف الخالقية أزلا وابدا، فلم يكن معطلا عن كماله، وإن لم تظهر آثاره في الكون، فهو الخالق قبل أن يخلق، فكان في الأزل أولا لا يشاركه في وجوده الأزلي أحد، فليس ثم أقانيم تشاركه وصف القدم، بزعم أنها من وصفه، فالوصف لا يقوم بنفسه وإنما يقوم بالذات الموصوفة به، فلا يعهد في نقل أو عقل أو لسان: تجسد المعاني اللطيفة في أجساد مخلوقة كثيفة، فذلك خروج عن قانون القياس الصريح الذي لا يعارض محكم التنزيل من الكتب المنزلة، فالوحي لا يأتي إلا بما يصدقه العقل، ولو إمكانا، فلا يأتي بمحال لا يقبله العقل إلا إن فسد أو عطل بزعم التسليم والانقياد، فذلك إنما يكون فيما يحار العقل في كنهه لا فيما يحيله لما يلزم منه من الممتنع لذاته كوصف الرب، جل وعلا، بالنقائص، أو تشريك غيره معه في أوصاف كماله التي انفرد بها كوصف الأولية المطلقة بذاته وصفاته جل وعلا.

وبعض أهل العلم يجعل الكلام على الحقيقة فلا حاجة إلى القول بالمجاز المرسل، فالرب، جل وعلا، قد خرج من هذا العموم ابتداء، فهو الخالق، والخالق، كما تقدم، اسم يدل على الذات القدسية وصفة الخلق معا: فذلك من دلالة التطابق، ويدل على بقية الصفات الإلهية: ذاتية أو فعلية، فذلك من دلالة اللزوم، فخرج الرب، جل وعلا، من هذا العموم، بل لم يدخل فيه ابتداء، فهو الخالق لكل الأشياء المخلوقة، وليس هو، تبارك وتعالى، منها، وإن صح الإخبار عنه، كما تقدم، بأنه شيء، فهو شيء غير مخلوق بل هو الخالق لما سواه.

ثم جاء التذييل بلازم الخلق، وهو من أظهر أدلة الربوبية: إيجادا للخلق وعناية بهم بخلق ما ينتفعون به من مطعوم ومشروب وملبوس ومنكوح، فقد خلق كل جنس للآخر ليكمل به، فـ: (اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)، ومركوب ..... إلخ، فجاء التذييل بلازم ذلك من شكره، جل وعلا، على الخلق والعناية، وشكره لا يكون إلا بإفراده، جل وعلا، بالعبودية، فاعبدوه على جهة الاختيار والانقياد، فما من خالق غيره، ولا من مدبر سواه، ولا من رزق إلا ما قد قدره، فهو على كل شيء وكيل، فذلك، أيضا من العموم المحفوظ فضلا عن دلالة تقديم ما حقه التأخير على الحصر والتوكيد كما تقدم مرارا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 06 - 2010, 06:12 ص]ـ

ومن سورة الأعراف:

ومن صور العناية بالأنبياء عليهم السلام:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير