تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

!، وبمقارنتها بالصورة المثلى للبشرية في النبوات يظهر الفارق بين الوحي الرحماني والوحي الشيطاني، فالأول عاصم للبشرية من الانحطاط إلى دركة ما قبل البهائم!، والثاني سبب رئيس في تكريم الحيوان البهيم على الإنسان السميع البصير الذي لا منتهى لضلاله، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، إن أعرض عن النبوات، أعظم نعم الرب، جل وعلا، على النوع الإنساني، فهي من أظهر أدلة العناية بالبشرية، فقد عصم أتباعها من الإهانة والتحقير الذي ينال كل من عدل عنها إلى غيرها من المناهج الأرضية والطرائق العقلية أو الذوقية التي لا مستند لها من كلام رب البرية جل وعلا، فقد صيرته المناهج الأرضية حيوانا متطورا، أو حيوانا جنسيا لاهثا، أو حيوانا اجتماعيا يسوقه العقل الجمعي للقطيع الذي يعيش فيه!، أو مادة هي أحقر من الحيوان الحساس المتحرك، فأين ذلك من تكريم النبوات التي جاءت بالتكليف الشرعي والتشريف الإلهي بحمل كلمات الرب، جل وعلا، في الصدور، وظهور آثارها على الألسنة والجوارح، وإبلاغها لسائر أمم الأرض استنقاذا لها من الدركات التي يريد شياطين الجن والإنس حطها إليها، والشاهد أن لوطا، عليه السلام، قد ألجئ إلجاء إلى التوكيد إنكارا على من لم يعد يعرف منكرا من معروفا، فاحتاج إلى التنبيه على فساد طريقته، وهل يحتاج عاقل إلى مزيد بيان لقبح تلك الفعلة؟!، ولكنه، كما تقدم، أثر من آثار شؤم انقطاع أثر النبوة، وقد ذكر صاحب رسالة "العلمانية" حفظه الله وسدده وأتم شفاءه، قصة غريبة وقعت في أواخر السبعينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا في عهد الرئيس جيمي كارتر، وهو معروف بتدينه!، فهو أحد كبار المنصرين المعاصرين، وفي تلك الآونة، كانت أمريكا قد بدأت حصاد ثمار العلمانية، لا سيما في الجانب الاجتماعي والأخلاقي، بل لعلها بدأت موسم الحصاد قبل ذلك بسنين!، ومع ذلك كانت الحال بالتأكيد خيرا من حال أمريكا اليوم، حيث لا أخلاق وإن كان ثم دين متطرف تحشد به قوى الخير الإنجيلية لحرب قوى الشر الإسلامية!، ففي تلك الآونة طلب بعض موظفي وزارة الخارجية، من الرئيس أن يسمح لهم بممارسة الشذوذ الجنسي في مكاتبهم، فهو، كما تقدم، نشاط بيولوجي!، كسائر التفاعلات التي تحدث في خلايا الجسم، فلا وجه لإنكاره، فكيف تكون حال أمريكا اليوم، وكيف تكون حال العالم الذي وكلت قيادته إلى أمة هذا عرفها العام؟!، وذلك بالتأكيد ما يبطل عجب من نظر في الفساد الذي عم وطم، فذلك: (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، فالهرج الذي تعيشه البشرية اليوم هو رد فعل طبيعي لقيادة عالمية تسعى إلى تصدير قيمها المنحطة إلى سائر الأمصار، فالتبشير بقيم العلمانية وحرياتها المطلقة من جنس التبشير بدين النصرانية، فقد وضع تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة: خطة أخلاقية محكمة!، هدفها قلب أنظمة الحكم الاجتماعية في كل دول العالم، ولو أدى ذلك إلى قلب أنظمة الحكم السياسة وإشاعة القتل والفوضى الخلاقة!، كما قد جرى في أرض الرافدين، فكان الغزو العسكري تمهيدا إلى غزو فكري لمنظومة القيم التي تحكم الأفراد والجماعات في العالم الإسلامي، ليصل أبناءه إلى الدركة التي وصل إليها المجتمع الأمريكي، فلا بد للبشرية أن تكون، شاءت أم أبت، نسخة مقلدة من المجتمع الأمريكي فهو النموذج الإنساني الأرفع، فلا يدانيه أي نموذج ولو كان مستندا إلى النبوة، وذلك ما يفسر الصراع المحتدم الآن بين الغرب بقيادة أمريكا، والإسلام، فإنه لم يصمد للنموذج الغربي بعد انهيار كل القوى العالمية إلا النموذج الإسلامي، فمع ضعفه السياسي والعسكري والاقتصادي ..... إلخ من الجوانب المادية، إلا أنه لا زال يملك التفوق والريادة في الجانب الإنساني، معدن السعادة الحقيقية التي تفتقدها البشرية المتخمة بالنعيم الحسي، الفقيرة إلى الاستقرار النفسي، فليس ثم ذلك إلا بالسير على منهاج النبوة، التي يجتهد أكثر الناس في زماننا، حتى من أتباعها، في إطفاء نورها وإفناء أهلها!، وما ذلك إلا فساد تصور من جنس فساد تصور قوم لوط، فقد صارت الفاحشة في تصورهم: حرية، وصارت النبوة في تصور

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير