تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كثير من أهل زماننا معدن التطرف والإرهاب!، وإذا اختلت معايير القياس، فلا يجدي الحوار شيئا إن تطرق إلى الفروع قبل تحرير الأصول، ولذلك كان مصير كل حوار بين الحضارات إلى يوم الناس هذا: الفشل الذريع، لأن المتحاورين لم يتفقوا على أصل جامع، فلكلٍ أصوله ومبادئه، وليس ثم حكم يفصل بين العقول المتنازعة إلا الوحي المنزل الذي اجتهد القوم في تحريفه سلفا، وحربه خلفا، فمن يفصل النزاع بين الحضارات غير الوحي الذي أنزله العليم الخبير، جل وعلا، فهو الذي يعلم أسرار النفوس وخبايا الصدور؟!.

وقول لوط عليه السلام: مِنْ دُونِ النِّسَاءِ: إطناب في معرض الإنكار، فإن هذه الفعلة مستقبحة سواء أجمع فاعلها بينها وبين إتيان النساء أم لم يجمع، فلا مفهوم للكلام، ليقال بأن الإنكار يتوجه إلى من صُرِفَ إلى تلك الفعلة عن إتيان النساء، فلا يكون الجامع بينهما مذموما!، بل كل فاعل لها مذموم، وإنما جاء القيد أغلبيا، فلا مفهوم له، فالغالب من حال مرتكب هذه الفعلة الشنيعة أنه يعدل عن إتيان النساء، فقد فسدت جبلته، فلم يعد له في المشروع حاجة، ولعل ذلك من أسباب الانقراض الذي يهدد كثيرا من المجتمعات الغربية التي استغنى كثير من رجالها برجالها، واستغنى كثير من نسائها بنسائها، وليس الأمر خاصا بهم، بل إن من سار على طريقتهم، ولو كان من أتباع النبوة الخاتمة، فهو أهل لما يحل بهم من العقوبات الشرعية والكونية، وذلك ما قد ظهرت بعض آثاره في جملة من أمصار المسلمين، كما ذكرت بعض الباحثات المعاصرات، فظهرت في دولة عربية أول جمعية للدفاع عن حقوق الشواذ في العالم الإسلامي تحت اسم جمعية: "حلم"!، وهو كابوس مزعج، وظهرت منتديات على الشبكة العنكبوتية لشواذ الأمصار، فاستحق الجميع غربيين كانوا أو شرقيين، إنكار لوط عليه السلام، وكل نبي، وكل ذي دين وخلق وجبلة صحيحة، فالعبرة بالمعنى لا بالسبب، فخطاب المواجهة لقوم لوط يعمهم ويعم غيرهم ممن سار على طريقتهم النكراء، ولذلك جاء التهديد بعموم الوعيد في قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)، فكل من وافقهم في الوصف، فهو متوعد بما نزل بهم من الخسف، فضلا عما توعد به الآخرون في نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم"، وقد جاء تأويل هذا الخبر النبوي الصحيح، فهو من دلائل نبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم فظهرت أوجاع وأمراض ترتعد الجوارح لمجرد ذكرها، فما هي، أيضا، من الظالمين ببعيد، ثم أضرب لوط عليه السلام، على ما تقدم من الإطناب في الزجر والإنكار، فالإضراب انتقالي، فما قبله مؤسس وما بعده مؤكد لمعناه: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ: وجاء الإخبار بالجملة الاسمية، إمعانا في النكير، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالإخبار بالجملة الاسمية مئنة من ثبوت الوصف، فقد صار الفسق لهم سجية، وهو فسق اعتقادي فالقوم مشركون، وفسق عملي فالقوم منحرفون وذلك آكد في ذمهم بإطلاق وصف الفسق عليهم مثبتا مسندا إلى الضمير الدال على جماعتهم.

وفي مقابل ذلك: مَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ: فذلك جار مجرى الذم بما هو عين المدح، فقد نكست النفوس وفسدت الطبائع، كما تقدم، حتى صار التطهر عيبا يذم به صاحبه، لاختلال معايير القيم في مجتمع قد استعلن بالفاحشة، وتلك حال مطردة في كل جماعة إنسانية تخرج عن المعايير الأخلاقية، لا سيما الشرعية، فإنه، لا أخلاق إلا وقد أرست النبوات قواعدها، فليس ثم خلق صحيح إلا والنبوة قد أرشدت إليه، وليس ثم خلق فاسد إلا وقد حذرت منه، فنعمة النبوة قد عمت كل حال: فعلومها أنفع العلوم، وأعمالها أصلح أعمال للقلوب والجوارح، وأخلاقها أكمل الأخلاق، وسياساتها أحكم السياسات، وإنما يعرض عنها من يعرض من ضلال البشر لعظم جهلهم بقدرها، فلا صلاح للنوع الإنساني إلا بتوليتها وعزل كل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير