تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الرحمات التي عمتهم كما يعم الثوب إذا نشر بعد الطي: الجسدَ، وجاء الإطناب في معرض بيان عناية الرب، جل وعلا، بهم: وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا: وهو ما يرتفق وينتفع به، وذلك من لوازم نشر الرحمة، فيكون إطنابا بذكر اللازم عقيب ملزومه، أو هو من جملة الرحمات بتيسير أسباب الانتفاع، فيكون من عطف الخاص على العام، وأيا كان، فالإطناب في كلتا الحالين يلائم سياق المنة الربانية بكمال العناية بهم لما بذلوا من أسباب نصرة الدين والفرار به صيانة له من قومهم الذين تلبسوا بضده من الكفر أو الشرك على التفصيل المتقدم.

ثم جاء الخطاب لغير معين، فذلك مما يلائم خطاب الاعتبار فهو خطاب عام يتوجه إلى كل قارئ أو سامع: فـ: تَرَى الشَّمْسَ: فتلك رؤية علمية بالنظر في حالهم، فذلك ذريعة إلى أخذ العبرة بإعمال الفكر في المعنى المعقول المستفاد من المعنى المحسوس الذي جاء بيانه عقيب فعل الرؤية، وقد تحمل الرؤية على الرؤية البصرية، فيكون ذلك من استحضار الصورة، فقد ورد بيانها، كما تقدم مفصلة: فترى الشمس إذا: طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ: فالمجيء بالمضارع: "ترى" في حق المخاطب، ثم المضارع: "تزاور": أي تميل، و: "تقرضهم": أي لا تقربهم فهو من القرض وهو القطع كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، ففيه، أيضا، استعارة معنى محسوس لمعنى معقول، على ما اطرد في هذا السياق، فالاستعارة تقرب المعنى إلى الأفهام بإيراد المعقولات في قوالب محسوسة تشترك عامة العقول في إدراكها بلا عناء فذلك من تيسير الرب، جل وعلا، للذكر، بأن أنزله بلفظ بين لا غموض فيه ولا إلباس، فالقرآن قد نزل بلغة العرب مرشحة، إن صح التعبير، من الألفاظ الغريبة التي وردت في أشعارهم، والشاهد أن مجيء المضارع في تلك المواضع مما يسوغ حمل الرؤية على الرؤية البصرية تنزيلا للغائب منزلة الشاهد، فذلك آكد في استحضار صورته لحصول تمام الاعتبار، وذلك، أيضا، من أدلة عنايته، عز وجل، بالأمة الخاتمة، فالدعوة إلى أخذ العبرة من أحوال السابقين، بموافقة أهل الإيمان ومخالفة أهل الكفران، تلك الدعوة قد تواترت في كل أخبار التنزيل عن أحوال الماضين على ما تقدمت الإشارة إليه في مواضع عدة، لا سيما في مواضع الوعد والوعيد، وما حل بالأمم المكذبة من العذاب فهو تأويل وعيده، جل وعلا، لكل من كذب رسله وعصى أمره، فذلك معنى مطرد لا خصوص له بسببه، فالعبرة بعموم معناه، وهو جار على ما تقرر من قياس الطرد والعكس القرآني فمنطوق أي وعد أو وعيد: وقوعه بوقوع سببه، ومفهومه: وقوع ضده بوقوع ضد سببه، فمن آمن نجا، ومن كفر هلك، فتلك قاعدة عامة تصلح في أي موضع جاء فيه وعد أو وعيد رباني، أو جاءت فيه حكاية ما حل بالماضين: نجاة إن كانوا مؤمنين، وهلاكا إن كانوا كافرين، ثم جاءت الحال: وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ: فهي آكد في استحضار تلك الصورة العجيبة لأولئك الفتية الفارين بدينهم، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فـ: ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ: الكونية الباهرة، فناسب أن يشار إليها بإشارة البعيد مئنة، هذه المرة من التعظيم وعلو الشأن بخلاف الإشارة في نحو قوله تعالى: (هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا)، فهي مئنة من التحقير ودنو الشأن، كما تقدم، فالسياق هذه المرة قد رجح ضد ما رجح في المرة الأولى، مع كون الاستعمال واحدا: فهنا إشارة إلى بعيد معظم، وهناك إشارة إلى بعيد محقر. فهي آية عجيبة في حفظ الرب، جل وعلا، لأوليائه، فحفظ أبدانهم ووقاهم حر الشمس، ثم جاء التذييل بقاعدة عامة، فالشرط فيها نص في العموم وهو عموم محفوظ لا مخصص له، فـ: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ: فذلك من القصر الحقيقي فهو المهتد وحده دون غيره، فتحمل الهداية هنا على هداية التوفيق والإلهام، فليست، كما تقدم، إلا للرب ذي الجلال والإكرام، فهو المنفرد بتقليب القلوب فإن شاء صرفها على الطاعة فضلا، وإن شاء صرفها على المعصية عدلا، فانفرد، جل وعلا، ببعث الرسل عليهم السلام بهداية الإرشاد فتلك منة عامة لكل من بلغه خبر الرسالات، وهو شرط رئيس في قيام الحجة فـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير