تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 07 - 2010, 06:51 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ):

فذلك من أدلة إيجاده، جل وعلا، للكائنات، على أكمل الصور والهيئات ليحصل بها تمام الانتفاع في هذه الدار، فتلك دلالة العناية التي تقارن دلالة الإيجاد في كثير من المواضع من التنزيل، فهما، كما تقدم مرارا، أثر أخص أوصاف الربوبية، فالإيجاد بالقدرة وهي مئنة من الجلال، والعناية بالحكمة، وهي مئنة من الجمال، وباجتماعهما يثبت للرب، جل وعلا، الكمال، فهو، على جهة القصر بتعريف الجزأين قصرا حقيقيا، فلا خالق من العدم سواه، فله الخلق التقديري في الأزل والخلق الإيجادي من العدم، فلا يطلق الخلق وصفا أو فعلا، إلا عليه، جل وعلا، فكل خالق سواه فإنما خلق بقيد التحويل من هيئة إلى أخرى، فلا يبدع من العدم، وإنما يجري الرب، جل وعلا، على يديه من أسباب الصناعات ما يكون به الخلق البشري المقيد، فالإطلاق، في هذا الباب، كما تقدم، لا يكون إلا للرب ذي الجلال والإكرام، فإنه المنفرد بكمال القدرة تخليقا، وكمال الحكمة تدبيرا، فخلقه أكمل خلق، وصنعته أتقن صنعة، بخلاف المخلوق فنقصان صنعته من نقصانه الذاتي، كما أن كمال صنعة الرب، جل وعلا، من كمال وصفه ذاتا وصفات، فلا يكون فعل الكامل إلا كاملا، وفي المقابل، لا يكون فعل الناقص إلا ناقصا، فهذا الطير قد خلقه الباري، عز وجل، وفي خلقته من الإحكام والإتقان ما فيه، وهذه الطائرة قد صنعها الإنسان، فاستمد صناعتها من صناعة الرب، جل وعلا، للطير الحي الحساس المتحرك، فلم يجئ خلقه إلا جامدا يتحرك حركة ميكانيكية رتيبة فيها من وجوه النقص والعطب ما فيها، وحوادث الطيران، خير شاهد على ذلك، في مقابل حوادث الطيور، فلم نسمع، يوما، أن طائرا قد سقط أو انفجر نتيجة عطل فني!، فـ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ، فالتعريف بالموصولية مئنة من الوصف المؤثر، فالخلق، كما تقدم، من أظهر أدلة الربوبية، ومجيء الفعل ماضيا له من الدلالة التوكيدية ما يزيد المعنى تقريرا، فلا زالت أسباب الحياة تخلق، فالزروع تنبت، والأرزاق تنزل، ومع ذلك جاء الفعل ماضيا، فهو الذي خلقها لكم، فذلك، كما تقدم، آكد في تقرير المعنى، فالله، عز وجل، هو الموصوف بالخلق أزلا، فهو الخالق بالقوة وصفا وإن لم يكن ثم مخلوق، وهو الخالق بالفعل وصفا، فيخلق على جهة التجدد والحدوث، فآحاد الفعل متجددة حادثة متعلقة بمشيئته الكونية النافذة، وآحاد المخلوقات متجددة فتخلق الأعيان وما يقوم بها من الأحوال، خلقا من بعد خلق، فالأرزاق، كما تقدم، لا تزال جارية، فيخلق الرب، جل وعلا، منها، وينزل بقدر، فذلك من وجوه حكمته البالغة، فـ: (لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)، وفي السياق، أيضا، توكيد بتكرار الفعل، فقد ذكر ضميرا بارزا صدر به السياق، ثم ذكر مستكنا في الصلة، فذلك، أيضا، من جملة المؤكدات اللفظية، واللام في "لكم": مئنة من الاختصاص، وفي ذلك مزيد بيان لدليل العناية، فلكم خلق ما في الأرض لتنتفعوا به وتشكروه على عظيم فضله ومنته، وجاء التوكيد بـ: "جميعا" بيانا للأصل في الأشياء المخلوقة، فالأصل فيها الطهارة والإباحة إلا ما ورد الدليل على ضده، فيستثنى من هذا الأصل العام ولا يقدح فيه، فإنما حرم صيانة لحق الله، عز وجل، فذلك وجه تخصيص المنة، فلا ينغصها، فما خصت تحكما، وإنما صيانة لحق من خلقها لكم تبارك وتعالى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير