تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عموم علمه لكل الأشياء، ولو كانت من المحالات، كما تقدم في قوله تعالى: (لوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، فذلك من المحال الذاتي لوجوب إفراد الرب، جل وعلا، بكمال الذات والوصف وما يلزم من ذلك من وجوب إفراده بمنصب الربوبية علما، ومنصب الألوهية عملا، فذلك لازمه الرئيس، كما تقدم مرارا، فعلمه، جل وعلا، قد أحاط بكل الممكنات، فـ: (لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)، فخلق الخير فيهم ممكن، ولكنه جل وعلا شاء ألا يرجح هذا الممكن بكلمته الكونية، فصار معدوما، وذلك من عدله فيهم، ولو شاء لرجح الممكن بكلمته الكونية فصار موجودا، فذلك فضله يؤتيه من يشاء من عباده ممن علم أزلا قبول محالهم لأثر كلماته الشرعيات من الوحي المنزل على قلوب المرسلين عليهم السلام، فتقبله نفوس أولياء الرحمن تصديقا وامتثالا، وترده قلوب أولياء الشيطان تكذيبا وإعراضا، ولكل محل ما يلائمه من الحكم، فوصفه بالصلاح أو الفساد علة الحكم له بالهداية فضلا أو الضلال عدلا. فإذا شاء الرب، جل وعلا، أن تزول السماوات والأرض، قطع مادة كلماته الشرعيات من الكون، بانقطاع إسناد النبوة واندراس آثارها وغروب شمسها عن الكون، فاستحق التخريب، فالدنيا: "مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرُ الله وَمَا وَالاَهُ، وَعَالمًا وَمُتَعَلِّمًا"، و: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله"، فتقوم القيامة بكلمته الكونية، وبها ينقطع التكليف بكلماته الشرعية، فقد ولت دار الابتلاء وأقبلت دار الجزاء.

والشاهد أن في سورة البقرة إشارة إلى ما تقدم من وصف الاستواء اللازم الذي يتعدى بواسطة: "إلى"، فذلك مما يدل على إرادة معنى القصد، فالمعنى الكلي للاستواء بمنزلة المشترك المعنوي الذي تتعدد موارده بتعدد روافده، فكل قيد يفيد معنى لا يفيده الآخر، مع اشتراك الجميع في المعنى الكلي الجامع، فالاشتراك في المعاني الكلية المطلقة لا يلزم منه الاشتراك من كل وجه في المعاني الجزئية المقيدة، ففي المقيد قدر زائد يصب في قناة معنى بعينه دون سائر المعاني التي يدل عليها المطلق حال إطلاقه، وفيه، أيضا، إشارة إلى معنى التسوية المتعدي الذي دل عليه لفظ: "فسواهن"، فبينه وبين الاستواء اللازم الذي دل عليه لفظ: "استوى": جناس اشتقاقي فالمادة واحدة وإن أفادت معنى اللزوم في موضع، ومعنى التعدي في آخر، ووقع الفعل على ضمير الجمع في: "فسواهن"، وإن كان لفظ: "السماء" مفردا باعتبار الجنس، فـ: "أل": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، فلفظ السماء: مفرد من جهة المبنى، جمع من جهة المعنى، فالقرينة اللفظية، التي وردت في موضع تال هو قوله تعالى: (سَبْعَ سَمَوَاتٍ)، قد دلت على المراد من لفظ: "السماء" هنا فأزالت إجماله بحمل المجمل على المبين كما هي طريقة المحققين من أهل الأصول والتفسير، فما أجمل في موضع من التنزيل قد بين في آخر، فحصل باجتماعهما التئام صورة الاستدلال، فلا مجاز هنا إذ لم يرد بلفظ السماء حقيقة الإفراد ليقال بأن ذلك من قبيل ذكر بعض وإرادة كل، فيكون من مجاز الجزئية المرسل، بل قد قصد بلفظ: "السماء" ابتداء: السماوات على جهة الجمع لما تقدم من دلالة "أل": الجنسية الاستغراقية، فجنس السماوات قد سواه الرب، جل وعلا، فذلك معنى الجنسية فيها، وجميع السماوات قد سواها الرب، جل وعلا، على أكمل الهيئات، فـ: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ)، فخلقهن: (سَبْعَ سَمَوَاتٍ)، و: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا)، وزين الدنيا منهن: (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ)، فكل ذلك مئنة من كمال قدرته إيجادا، وكمال إتقانه وتدبيره، فذلك من آثار حكمته البالغة في تسيير هذا الكون على سنن متقن، به يكون صلاح هذه الدار، فذلك،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير