تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما تقدم، من صور عنايته، عز وجل، فانتظام أمر هذا العالم دليل ظاهر على ربوبية الإيجاد والتدبير، ولا يكونان، كما تقدم، إلا أثرا من آثار العلم الأول: تقديرا، والعلم الثاني تأويلا للمقدور في عالم الشهادة، ولذلك، ذيلت الآية، كما تقدم، بوصف العلم، على جهة العموم فضلا عن الحصر والتوكيد بتقدم ما حقه التأخير فـ: (هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 07 - 2010, 06:18 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ):

فذلك من عناية الرب، جل وعلا، ببني إسرائيل، مع قسوة قلوبهم وغلظ أكبادهم، فقد أرسل إليهم رسولا من أولي العزم من الرسل، به ختمت الرسالة في بني إسرائيل، فجاءهم بالبينات، وهي الدلائل الواضحات، فجاء مصدقا للتوراة أصولا فذلك مما تواطأ عليه الأنبياء عليهم السلام جميعا فهم: إخوة لعلات، وجاء مثبتا لأكثر أحكامها، فلم يأت لينقض الناموس وإنما ليرفع بعضه تخفيفا، كما في قوله تعالى: (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)، فذلك بيان لمجمل ما وقع من الاختلاف في هذا الموضع، فوقع في بعض فجاء المسيح عليه السلام بما يرفعه، فذلك من أظهر صور العناية في بعث الرسل عليهم السلام، فأخبار النبوات وأحكامها الأصل الأول في باب الاستدلال في أمور الديانة، فلكلٍ عقل يباين سائر العقول فلا يفصل النزاع بينها إلا الكتاب المنزل، فمن رحمة النبوة: إزالة أسباب الخلاف الذي يغري العداوة والبغضاء فتستحل به الدماء وتنتهك به الحرمات.

فجاءهم بالحكمة، وهي النبوة، كما في قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ)، فـ: "أل" في "الحكمة": عهدية ذهنية تشير إلى أعظم معادن الحكمة، فيجوز على هذا الوجه أن تكون "أل" جنسية استغراقية لمعاني الحكمة، والحكمة في لسان العرب مئنة من المنع، ومنه قيل لحكمة اللجام حكمة، وإليه أشار صاحب "اللسان" رحمه الله، بقوله: "قال الأصمعي أصل الحكومة رد الرجل عن الظلم قال ومنه سميت حَكَمَةُ اللجام لأَنها تَرُدُّ الدابة". اهـ، وهي، أيضا، مئنة من الإتقان، فيقال أحكم الشيء بمعنى: أتقنه، فحكمة النبوات ترد النفوس عن الفساد العلمي فترد الشبهات الواردة على القلب في مسائل الإلهيات والسمعيات، ومسائل الإيمان والشرك، فغاية النبوات: تجريد التوحيد للرب المليك، جل وعلا، ولا يكون ذلك إلا بتصحيح التصور العلمي الباطن فهو الذريعة إلى تصحيح القول والعمل الظاهر، فالغاية العظمى من النبوات: غاية علمية لا تنفك لزوما عن غايات قولية وعملية هي تأويل ما قام بالباطن من تصور لقضايا الربوبية والألوهية، فالنبوات ترد العقول، كما تقدم، عن الشبهات، وترد لزوما اللسان والجوارح عن الشهوات من قول محرم أو فعل مجرم، وذلك اللزوم لا انفكاك فيه في حقيقة الأمر ولو في حق المنافق فإن مآل ظاهره وإن صلح بادي الرأي إلى الفساد فهو في فساد عريض بل فساده أعظم من فساد الكافر الذي استوى باطنه وظاهره، فالمنافق في الدرك الأسفل من العذاب، فرتبته في الآخرة أدنى من رتبة الكافر، وإن كان في الدنيا أعلى منه رتبة بما استفاده من إقراره الظاهر بالقول والعمل، فأحكام دار الجزاء تباين أحكام دار الابتلاء، فما يعصم به المكلف في هذه الدار، لا يعصم به في دار الجزاء إلا إن كان مواطئا لما قام بالقلب، فهو محط الفائدة ومحل النزاع بين جند الرحمن من الأنبياء والملائكة، وجند الشيطان من الأبالسة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير