تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ):

فعلق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه الصلة، وهو المال الذي اكتنزه جامعه فلم يؤد فيه حق الرب، جل وعلا، فما أديت زكاته فليس بكنز، وإن بلغ ما بلغ، كما في حديث أم سلمة، رضي الله عنها، مرفوعا: "ما بلغ أن تؤدي زكاته، فزكي فليس بكنز"، وجاء البيان لعموم المعنى بذكر أفراد من أفراد العام، وهي الأموال التي تكتنز، فأظهر أصنافها: الذهب والفضة، وليس ذلك بمخصص لعموم المعنى الذي يشمل كل ما تحقق فيه وصف المالية الموجب للزكاة، وإنما أورد مورد التمثيل، بأشهر أجناس المال الذي تجب فيه الزكاة، لا سيما في زماننا، الذي ينصرف فيه الذهن إلى النقد مطبوعا كان أو مضروبا، فحقيقته ذهب أو فضة، قد تعارف الناس من قديم على استعمالهما في المبادلات التجارية، وعموم الآية الذي تدل عليه جنسية "أل" في: "الذهب والفضة" يشمل كل صورهما، وقد استدل الخطابي، رحمه الله، بعموم هذه الآية على وجوب الزكاة في الحلي مطلقا، فيشمله معنى الذهب والفضة لكونه مصنوعا منهما فإن لم يكن منهما كأن كان من الماس أو الياقوت فلا زكاة فيه مهما بلغت قيمته إلا أن يتخذ للادخار أو التجارة فتتعلق الزكاة بسعر وقته على تفصيل ليس هذا موضعه.

وقد جاء المضارع: "يَكْنِزُونَ": مئنة من استحضار الصورة في معرض التنفير، ومئنة من دوام اتصافهم بهذا الوصف المذموم الذي يترتب عليه من العقوبة العاجلة: شؤم بنزع البركة من الأموال المكتنزة، وهذا أمر ثابت بالشرع والحس، والعقوبة الآجلة فهي من جنس العمل، فما اكتنزوه إنما ادخروه ليكون أداة تعذيبهم، فكل من منع حقا في مال زكوي، عذب به، فمن منع زكاة الإبل فإنها تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، ومن مع زكاة الذهب والفضة صفحت له صفائح من نار يكوى بها جنبه وجبينه وظهره، فذلك ما ذكر في هذا السياق، وقد زادته السنة بيانا، فهي الحكمة الشارحة للكتاب، فيكوى بها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، كلما بردت أعيدت نارا يكوى بها ثانية وثالثة ........ إلى أن يقضي الله، عز وجل، بين العباد، وجاء العطف: وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه: إطنابا في بيان الوصف الموجب للعقوبة التي ذيلت بها الآية، فذلك من عطف اللازم على ملزومه، فلازم الكنز وعدم أداء حق الله، عز وجل، في الأموال، عدم إنفاقها في سبيل الله، والإضافة فيها مئنة من العموم فقد بخلوا بها فلم ينفقوها في أي وجه من وجوه الخير، فسبيل الله في هذا الباب: سبل كثيرة، منها الواجب ومنها المندوب، فـ: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، فتلك الصدقات الواجبة، و: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ): فتلك من الصدقات المندوبة وما أكثرها، فذلك من تيسير الرب، جل وعلا، لوجوه الخير، فلكل وجه يلائمه يجعله الرب، جل وعلا، سببا في رحمة من يباشره، فـ: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)، فاشتراها وهي ملكه وأثاب عليها أضعاف أضعافها، فهو الشكور الذي يثمر القليل فيغدو بإذنه كثيرا، وذلك من صور عنايته الشرعية بعباده، فقد شرعت الزكاة عناية بالفقراء لئلا يذهلهم الفقر والجوع فهو بئس الضجيع، فيفرطوا في حقوق الرب، جل وعلا، فإن النفس إذا ذهلت بهم الرزق، فارقها الخشوع فهي أمر مريج، فإذا كفيت المؤنة تفرغت لحملان أعباء الخلافة بإقامة أحكام الديانة، ما لم تطغ بالزيادة الفاحشة التي تعادل النقص الفاحش، فكلاهما مظنة الذهول، فالأول مشغول بهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير