تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم جاءت الاستعارة التهكمية مئنة من التنفير، كما تقدم، وأجملت العقوبة تشويقا، ثم جاء بيانها في الآية التالية: فالمضارعة هنا، أيضا: "يُحْمَى" مئنة من استحضار الصورة واتصال زمان العذاب حالا واستقبالا حتى يقضي الله، عز وجل، بين العباد، وجاء الإطناب في الوعيد زيادة في التنفير والتحذير، فيحمى عليها لتكوى بها الجباه والجنوب والظهور فبها يقع الإعراض عن الفقير، فاستحقت الكي بما كانت سببا في منعه، فذلك، أيضا، من حكمة الرب، جل وعلا، أن وضع العقوبة بما يلائم الجناية، ثم جاء الإشارة إلى الكنز على سبيل التهكم إمعانا في التبكيت: هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فالإشارة قد تحمل على التعظيم فذلك تهكم، كما تقدم، إذ ليس ذلك المال المكتنز بمعظم شرعا، وإن عظم في أعين الناس في دار التكليف حسا، وقد تحمل على التحقير، فلا يكون ثم تهكم، وإنما هو زيادة في التوبيخ، كما تقدم، فذلك المال الحقير الذي بخلتم به في دار الابتلاء هو الذي تعذبون به الآن في دار الجزاء، وإنما كان حقيرا لوصف قام به يقبل الانفكاك عنه، فليس حقيرا في نفسه، وإنما هو حقير لما تعلق به من وصف البخل ومنع حق الرب، جل وعلا، وحقوق العباد فيه، فلو أديت لصار عظيما، فليس فيه في نفسه ما يوجب تعظيما أو تحقيرا، بل هو كسائر المباحات، يمدح أو يذم لغيره، لا لذاته، فإن استعمله في طاعة مدح بفعله لا بالمال الذي هو آلة في يده، وإن استعمله في معصية ذم بها لا به، فالآلة المباحة قد تصير ذريعة إلى طاعة فتكتسب وصفها تبعا لا أصلا، فلها حكمها، وقد تصير ذريعة لمعصية فتكتسب، أيضا، وصفها، فللوسائل أحكام المقاصد، كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم ممن تكلم في مقاصد الشريعة الخاتمة وأصولها الجامعة، فأصل سد الذرائع وفتحها: دليل كلي من أدلة الأحكام عند فريق معتبر من أهل العلم كالمالكية، رحمهم الله، فهم أوسع الناس بابا في هذا الأصل، ويليهم الحنابلة، رحمهم الله، وقد عمل به غيرهم ضمنا فلم يفرده بأصل كما فعلوا، فكلهم مجمعون على اعتبار النية والمقصد في الحكم على الوسائل مدحا أو ذما.

ثم جاء الأمر على جهة الإهانة ففيه، أيضا، نوع استعارة دل عليها السياق فـ: "ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ"، فهو من قبيل الذوق في قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)، وهو معنى يدل على وجدان طعم الشيء، فينصرف بمقتضى العقل إلى المعنى المطلق سواء أكان الذوق معقولا بصنوف التكريم أو الإهانة، والإهانة هنا هي المتعينة لقرينة سياق الوعيد بالعذاب الشديد، أم محسوسا، فالآية تشمله، أيضا، فالعذاب بالكي محسوس، فالألم قد يكون نفسيا، وهو الأشد عند التحقيق، أو حسيا، والذوق من جهة أخرى: ينصرف بمقتضى الحس إلى وجدان طعم الشيء باللسان، ولا يمنع تصور هذه الصورة الخاصة من تصور المعنى العام الذي يشمل كل صور الذوق المعنوي والحسي، والذوق في دار الجزاء يباين الذوق في دار الابتلاء، فذوق الإنسان للنعيم أو العذاب في دار الجزاء يكون بكل وسائل الحس المعقول والمحسوس إمعانا في التكريم أو الإهانة، بخلاف الذوق في دار الابتلاء فيختص بآلات بعينها، ثم ذيلت الآية بما يدل على ديمومة اتصافهم بما استحقوا به هذا العذاب فـ: "فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ"، فـ: "كان" تدل على دوام الاتصاف في الزمن الماضي: زمن التكليف في دار الابتلاء، وأظهر سبب العذاب وحقه الإضمار على تقدير: فذوقوه، أظهر إمعانا في التنفير منه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[19 - 07 - 2010, 12:51 م]ـ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:

الأستاذ الفاضل: مهاجر

نافذة قيمة جدا، فهي غنية بالمعلومات القيمة والمواعظ الحسنة والتفاسير الرائعة للآيات والتعليقات العلمية، رزقكم الله الجنة عليها وأثابكم خيرا، وتقبل الله منكم ما كتبتم وما نشرتم من خير في كل هذه الصفحات.

بارك الله في علمكم وزادكم الله من فضله العظيم، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة، وجعله الله في موازين حسناتكم / اللهم آمين.

لقد استفدت.

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 08 - 2010, 06:38 ص]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير