تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جزاكم الله خيرا على المرور والتعليق وعذرا على التأخر في الرد نحو ثلاثة أسابيع أو يزيد!.

ومما يتعلق بموضوع النافذة الرئيس: ما ذيلت به سورة الزخرف:

من قوله تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ:

فذلك من سوء ظنهم بالرب، جل وعلا، وعظيم جهلهم بأسمائه وصفاته، فحسبوا على جهة الجزم أو الرجحان أن الله، عز وجل، لا يسمع سرهم، فأتوا في السر ما لم يأتوا في العلن، فالآية تمهيد بذكر كمال وصفه، جل وعلا، فالسمع من صفات كماله الذاتية، ولازمه، أو هو لازم، إحاطته العلمية بعموم البرية، فيسمع السر وأخفى، ويسمع الجهر من باب أولى، فذلك من التنبيه بالأعلى على الأدنى، وجاء الخطاب بضمير الجمع في: "نسمع" فذلك أليق بسياق وصف الرب، جل وعلا، فالتعظيم اللفظي مئنة من التعظيم المعنوي، فتلك معان جليلة أثبتها الوحي لمن أنزله، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فقد: (أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، وكذلك الحال في: "رسلنا"، فأضاف الرسل إليه، جل وعلا، إضافة المخلوق إلى خالقه على جهة التعظيم، فذلك مئنة من عظم المرسِل، جل وعلا، فهو الرب الجليل الكريم، وعظم المرسَل، فهم الكرام الكاتبون، فيعلمون ما يفعل العبد بإذن الرب، جل وعلا، فقد جعل لهم من الاطلاع على حال العبد ما لم يجعل لغيرهم، فليس علمهم ذاتيا، بل هو مما وهبه الرب، جل وعلا، لهم، ليلائم وظيفتهم في إحصاء الأقوال والأعمال، ومع ذلك لا يعدل علمهم علم من أرسلهم، جل وعلا، فعلمه قد عم الظاهر والباطن، فيعلم صورة الفعل وحقيقته، والباعث على اقترافه .... إلخ مما لا يعلمه ملك مقرب أو نبي مرسل فالرسل الملائكية تكتب الأفعال البشرية في صحف الأعمال التي تنشر يوم الجزاء، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

فهم من جنده في دار الابتلاء، ويقابلهم في دار الجزاء جنده من ملائكة الرحمة والعذاب، فالكتبة لكتابة الأعمال وحفظها، وخزان الجنة والنار للجزاء على تلك الأعمال، إن خيرا فنعيم، وإن شرا فعذاب، فيظهر بذلك من كمال حكمته، جل وعلا، بتعليق المسبَّبات على أسبابها ما يدل على كمال وصفه الذي استحق به التوحيد خضوعا وعبودية، فتوحيد الألوهية، كما يقول بعض أهل العلم، مظهر حكمة الرب، جل وعلا، فالجزاء من جنس العمل، والجزاء بقدر العمل.

ومن تمام وصف الرب، جل وعلا، نفي ظن السوء عنه، فنفى في الآية السابقة النقص في صفة ذاته اللازمة له، ثم نفى في الآية التالية: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ): النقص، بتولد الابن منه، فذلك من النقص الخارج عن ذاته القدسية، فالولد يباين والده فلا يقوم به قيام الوصف بموصوفه، والابن في حقه: نقص مطلق لما يلزم منه من الحاجة والافتقار والرب، جل وعلا، هو الغني عما سواه، فهو الحي الذي لا يموت فليس له حاجة إلى ابن يرثه، بل هو الذي يرث الأرض ومن عليها، ولا يصيبه ما يصيب البشر من العجز والضعف ليفتقر إلى ولد يعينه، بل هو القوي المتين، فنسبة الولد إليه، نقص من كل وجه، ففيه نفي لوحدانية الرب، جل وعلا، بذاته، وأحديته بصفاته، فالابن من جنس أبيه، فيلزم من إثباته: إثبات الشريك للرب، جل وعلا، وذلك قدح في التوحيد، آكد واجب على العبيد، وتجويز انفصال وصف من أوصافه عن ذاته القدسية ليتمثل بشرا برسم البنوة له، نقص آخر، يتنزه عنه الرب، جل وعلا، فالبشر مآله الفناء، وإن عظم قدره وكمل وصفه، فلا ينفك عن أعراض النقص الجبلية التي يتنزه عنها رب البرية، جل وعلا، من تعب ونوم ومرض ثم موت، فلو تمثل الوصف الرباني في بشر هذا وصفه، للحقه من النقص ما يلحق عامة البشر، ولحوق النقص بوصف الرب، جل وعلا، أو ذاته: محال ذاتي، فالعقل يثبت له، جل وعلا، بداهة: كمال الذات والصفات، والابن من وجه آخر: نقص في حق المخلوق من جهة افتقاره إليه، وإن كان كمالا من وجه آخر، فمن يولد له من البشر أكمل ممن لا يولد له، ومع ذلك لا ينفك هذا الكمال عن نقص الحاجة، كما تقدم، فالنقص في الولد ثابت في كل حال وذلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير