تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

آكد في وجوب نفيه عن الباري، عز جل، فاستوعب النفي في الآيتين: النقص اللازم والخارج، ففي الآية الأولى: نفي لوصف النقص عنه بطريق الاستفهام الإنكاري التوبيخي، فوبخهم على سوء ظنهم بالرب، جل وعلا، وهو إبطالي من جهة نفي ما اعتقدوه من نقص في وصفه، جل وعلا، فلسان مقالهم، أو حالهم أن الله لا يسمع ما يسرون، ثم جاء التنزيه عن النقص في هذه الآية: فـ:

قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ: فذلك من التنزل مع الخصم في الجدال على طريقة: إن كان ما تقوله حقا فأنا أول مؤمن به، فلا يلزم منه جواز ما افترضه المجادل فرضا عقليا محضا، فالعقل قد يفرض المحال الذاتي في معرض الحجاج العقلي، فضلا عن أن يجب في حق الرب، جل وعلا، فهو ممتنع شرعا وعقلا، وبعد التنزيه الخاص بنفي أوصاف نقص بعينها في معرض إبطال شبه الخصوم، فذلك من مسوغات التفصيل في باب النفي، فالأصل فيه الإجمال، فـ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، بعد هذا التفصيل في التنزيه جاء الإجمال، فذلك من قبيل الإطناب في إثبات المعنى بالتذييل بالتنزيه العام عقيب التنزيه الخاص: سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ: فسبحان من له ربوبية أعظم المخلوقات، فذلك، أيضا، من التنبيه بالأعلى على الأدنى، فربوبيته لما دون العرش ثابتة من باب أولى، فسبحان من له ربوبية الكون إيجادا وتدبيرا، عما يصفون، فذلك من صور العموم في لسان العرب، فـ: "ما" الموصولة من صيغ العموم القياسية، فتنزه، جل وعلا، عن كل ما وصفه به الظالمون من أوصاف النقص التي تنزه عنها شرعا وعقلا فذلك من آكد علوم الرسالة النقلية، وعلوم الضرورة العقلية.

وبعد إثبات كمال ربوبيته، جل وعلا، فرعا عن كمال وصفه الذاتي والفعلي، فقد استغرقت الآيات السابقة نوعي التوحيد العلمي الخبري: توحيد الصفات وتوحيد الربوبية، فبعد هذا الإثبات للخبر، جاء التنويه بلازمه من وجوب إفراده، جل وعلا، بالألوهية، فذلك كما تقدم مرارا، من التلازم العقلي الوثيق فـ: هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ: فهو الإله المعبود في السماء والأرض، على طريقة: فلان أمير في العراق، وأمير في الشام، فلا يلزم من ذلك حلوله بذاته في كلا المصرين، بل حكمه نافذ في كليهما، وإن لم يوجد بذاته فيهما، ولله المثل الأعلى، فهو الإله في الأرض، فلا معبود بحق سواه، وإن تعددت الآلهة، فهي آلهة كلا آلهة، فلا يلزم من نسبة أتباعها: وصفَ الألوهية لها: أنها آلهة بحق، فكل يدعي ما يروق له، وإن كان عين المحال الذاتي، حتى ادعى من ادعى من البشر ألوهية الفئران!، ولم يلزم من ذلك بداهة صدق دعواه، وإن اعتقدها كذلك، فلا يسلم لصاحب الدعوى بصحتها إلا إن أقام البينة على ذلك، فتلزمه الحجة الصحيحة السالمة من المعارضة، وأنى لمن عبد غير الله، عز وجل، أو أشرك به، أو غلا في حق مخلوق فجعله ندا له، أنى لأولئك بحجة صحيحة على ما هم فيه من الباطل العظيم، بتجويز بل ادعاء المحال في حق الرب، جل وعلا، فالمحال، كما تقدم، قد يفرضه العقل فرضا محضا، ولا يلزم من ذلك جوازه فضلا عن إيجابه، فتبطل بذلك مقالة أهل الحلول والاتحاد بنوعيه: الخاص والعام، فلا يحل الرب، جل وعلا، بذاته القدسية في جهة مخلوقة، فهو في السماء المطلقة أو العلو المطلق فليس في السماء المخلوقة التي نراها أو التي لا نراها من بقية السماوات المخلوقة، ليس فيها بذاته القدسية، فله العلو الذاتي المطلق، والعلو الفعلي استواء على عرشه، فليس فيها من هذا الوجه وإن كان فيها بأوصاف علمه وقدرته، فحسن التذييل بوصفي العلم والحكمة، فهو في السماوات والأرض بأوصاف كماله، فيعلم السر وأخفي ويجري الأقدار بحكمته البالغة، وهو، أيضا، فيها، بمنصب ألوهيته، فلا معبود بحق سواه فيها، فانتفى وجوده فيها من وجه: فليس فيها بذاته القدسية فلا يحل في جهة مخلوقة كما تقدم ولا يحل في ذات مخلوقة فتجويز تمثله في ذات أرضية ولو شرفت كذوات الأنبياء والأولياء، تجويز لمحال ذاتي لما يلزم منه من وصفه جل وعلا بالنقص المطلق الذي تنزه عنه بداهة، وثبت بل وجب وجوده فيها من وجه: فهو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير