تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم جاء الإطناب في وصف الليلة المباركة فـ: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ: فالأمر في هذه الآية: مفرد الأمور، فهي الأحداث التي تقع في ذلك العام، فيفصل القضاء الكوني النافذ فيها، كما أثر عن جمع من المفسرين، فالتقدير السنوي يكون في ليلة القدر، فأمور الكون لا تقضى إلا على وجه الحكمة، فتلك علة وصف الأمر بالحكمة، وإن كان مؤلما باعتبار الحال، فكم من مصائب ابتلي ولا زال البشر يبتلون بها، تنفطر لها الأكباد وتنصدع الأفئدة، وتذوق بها النفس ألوانا من المرارة والقهر لعجزها عن نصرة مظلوم أو نجدة ملهوف، يبتلى في دينه أو بدنه، وليس ثم مروءة أو رجولة، وإنما محض ذكورة هي الطابع العام لرجال هذا الزمان، وأحوال المستضعفين حتى في بلاد المسلمين خير شاهد على ذلك، فكيف بما يقع في البؤر المشتعلة من ديار الإسلام التي ابتليت بمداهمة العدو لها، أو حصاره الظالم لها، فكل ذلك مما يحير العقل في ساعات الزلزلة، فيغيب عنه وجه الحكمة في تلك النوازل التي يرفع الرب، جل وعلا، بها أقواما، ويضع آخرين فتفتضح سرائرهم القبيحة، ويظهر جبنهم وخورهم، وإن بدوا أسودا في مواكب الزور!، فيقضى في تلك الليلة بإذن الرب، جل وعلا، الكوني النافذ، أمر الخلائق، بأوامر كونية نافذة، فالحال: "أمرا" في الآية التالية: (أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ): مفرد الأوامر الكونية النافذة، فالأمور تقضى بأوامر، فمادة الأمر، أيضا، مادة كلية تنقسم إلى: كوني نافذ، وشرعي حاكم، فهما فرع عن نظيريهما من الإنزال الكوني، والإنزال الشرعي، فالمنزل: كلام إلهي تقع به الأمور الكونية من إحياء وإماتة ورزق وعناية، فذلك من العناية الكونية، وتصلح به النفوس فذلك الأمر الشرعي: خبرا يصدقه القلب، وشرعا تصدقه الجوارح، فذلك من العناية الشرعية بأعظم منة ربانية: منة الرسالة والوحي الذي تبلغه، فهو مادة صلاح النفوس، بل مادة صلاح الكون، فليس ثم ملك كامل، أو عيش هانئ إلا في ظلال النبوة، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فمتى كانت نبوة: كان سلام داخلي فلا يصطرع الإنسان مع نفسه حيرة، وسلام خارجي فتصلح أحوال الدنيا بكتاب هاد وحديد ناصر، فكتاب النبوة: أحكم كتاب، وسيف النبوة: أعدل سيف وأمضاه في نفس الوقت، فهو سيف رحمة لا خور، فبينهما حد يخطئه كثير من دعاة الحوار مع الآخر، فيصير إعطاء الدنية في الدين: تسامحا!، وليس ذلك إلا عين الذلة، كما نرى الآن في بعض أمصار المسلمين التي راجت فيها تلك الدعوات فذل المنتسبون إلى الإسلام برسم المحبة والتسامح، والدين من ذلهم براء، فهو دين العزة التي لم تعرفها نفوسهم الذليلة، ذلوا للكفار الأصليين، لا سيما أهل الكتاب، بحجة انتسابهم إلى شريعة سماوية، وهي بعد ما وقع فيها من تبديل وتحريف نال الأصول والفروع، محض آثار دارسة لشريعة نازلة عبث بها أتباعها فصيروها شركا بعد أن كانت توحيدا، فذلك دين الأنبياء الحق، لا الدين الجامع الذي يروج له من يروج من دعاة: وحدة الأديان، وليس ثم إلا دين الإسلام العام: دين الرسل عليهم السلام، وأكمل وأنقى صوره: دين الإسلام الخاص: دين النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو الدين المحفوظ فذلك موعود الرب، جل وعلا، فلا يقبل الرب، جل وعلا، غيره، فلم لم يكن على جادته، أيا كانت ملته، فهو كافر أصلي، وإن سماه من سماه من أصحاب موائد الحوار العامرة!: آخر، فالآخر الذي يقابل المؤمن هو: الكافر، كما أن الكافر، لظنه أنه على الحق وغيره على الباطل، يسمي نفسه: مؤمنا، وغيره كافرا، وإن تنصل من ذلك، فلا يؤمن الإنسان إيمانا صحيحا بدين أو حتى مذهب فكري وضعي إلا إن نبذ سواه، فاعتناقه دينا أو فكرا يعني بداهة براءته مما سواه، وإلا كان منافقا، تتعدد ألوان طيفه الديني والفكري بتعدد مكاسبه العاجلة من رياسات أو مآكل دنية صارت هي معقد ولاء وبراء عامة رءوس الضلالة، فقد ضلوا وأضلوا وطعنوا في الحق زورا، ونصبوا العداء لأهله ظلما فسعوا في سفك دمائهم وهتك أعراضهم واستصفاء أموالهم، كما هي سنة الباطل في كل عصر أو مصر يستطيل فيه أهل الباطل على أهل الحق تمحيصا، كما كانت الحال زمن الرسالة، أو عقوبة على

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير