تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، و:

عسى الكرب الذي أمسيتَ فيه ******* يكون وراءه فرج قريب

فيأمن خائف ويفك عانٍ ******* ويأتي أهله النائي الغريب

فأمر الرب، جل وعلا، بنوعيه الشرعي والكوني: رحمة عظيمة، فتنكيرها، أيضا، مئنة من التعظيم، بل هي أعظم الرحمات، فـ: (مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، فالنبوة، كما تقدم، أجل النعم وأعظم المنن، ثم جاء التذييل بوصفي السمع والعلم، فإن من ينزل الشرع المصلح لأحوال العباد، وإن أبى من عطله تملقا للكفار، من ينزله لا بد أن يكون له كمال الإحاطة العلمية بعباده، فيسمع، فالسمع من لوازم العلم، ويعلم من أحوالهم ما يشرع به الملائم لهم: المصلح لمعادهم من أحكام الدين علوما وشعائر، والمصلح لمعاشهم من أحكام الدنيا من معاملات وسياسات ..... إلخ، فالشرع قد عم كلا النوعين خلافا لمن زعم من العلمانيين اقتصاره على جانب الدين: تصورا علميا ووجدانا، وشعائر على أحسن نسخ العلمانية الرديئة!، فجاء التذييل على جهة الفصل مصدرا بالمؤكد الناسخ، فينزل، أيضا، منزلة العلة، فهو جواب سؤال مقدر عنها بنحو: وما علة وصف الشرع النازل من عند الرب، جل وعلا، بأنه رحمة، فالجواب: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ: وفيه من المؤكدات جملة وافرة: التوكيد بالناسخ، واسمية الجملة، وضمير الفصل، وتعريف الجزأين، فهو السميع العليم على جهة القصر بتعريف الجزأين، كما تقدم، وهو حقيقي بالنظر إلى جانب التشريع فلا يعلم من أمور العباد حالا ومآلا على جهة التفصيل الدقيق فلا يخفى عليه، جل وعلا، شيء في الأرض ولا في السماء، بل: (مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، لا يعلم من حالهم ومآلهم على هذا النحو ما تصلح به أديانهم وأبدانهم إلا الرب جل وعلا، فيشرع لهم ما يلائم أحوالهم ويصلح معاشهم الحالي ومآلهم الباقي.

ثم جاء الإطناب في أوصاف الربوبية: رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ: فذلك من ربوبية الإيجاد والتدبير، ففيه من عموم خلقه وتدبيره جل وعلا لأمر السماوات والأرض وما بينهما ما حسن به التذييل بالشرط إلهابا وتهييجا على الإيمان واليقين، فلا ينظر عاقل في أمر الخلائق إيجادا وتدبيرا إلا علم يقينا أن لها ربا خالقا مدبرا له من أوصاف الكمال ما استحق به منصب الربوبية العامة، فوجب له، لزوما عقليا لا انفكاك فيه، وجب له كمال التأله: عبودية وخضوعا لأمره الشرعي الذي بعث به رسله عليهم السلام، فتصديق خبره وامتثال أمره الشرعي الحاكم فرع عن عموم خلقه وتدبيره لكونه بأمره الكوني النافذ، فهما، كما تقدم مرارا، قسما أمره العام الذي يصدر عنه كلاما كونيا وشرعيا على الوجه اللائق بجلاله.

ثم جاء التعقيب بلازم منصب الربوبية من وجوب إفراده جل وعلا بالألوهية: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: فذلك خبر أريد به إنشاء الأمر بإفراده، جل وعلا، بهذا المنصب الجليل، فلا إله إلا هو: يُحْيِي وَيُمِيتُ: على جهة المضارعة مئنة من تجدد آحاد هذا الوصف له، جل وعلا، فذلك آكد في بيان قدرته، فضلا عما في الطباق بالإيجاب بين الضدين من دليل على عموم ربوبيته، فهو: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ: فذلك عموم آخر بالنظر إلى أعيان المربوبين فهو ربهم الذي خلق أبدانهم فذلك من دلالة الإيجاد، وأجرى عليها أرزاقها، فذلك من دلالة العناية الكونية، وأرسل إليهم رسله، عليهم السلام، فتلك سنته في كل من انحرف عن الجادة التوحيدية فهي مقتضى الفطرة الأولى، فمن رحمته، جل وعلا، أن بعث الرسل مبشرين ومنذرين، فتلك، كما تقدم مرارا، أعظم صور العناية الربانية بالنوع الإنساني، والتذييل بهذه الجملة من أوصاف الربوبية عقيب التنويه بالألوهية خبرا وإنشاء ينزل، أيضا، منزلة التذييل بالعلة عقيب المعلول، فانفراده، جل وعلا، بمنصب الربوبية علة وجوب إفراده جل وعلا بمنصب الألوهية، وذلك، كما تقدم، من التلازم العقلي الضروري الذي لا ينكره إلا جاهل أو مسفسط، فمن خلق ورزق على جهة الانفراد هو المستحق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير