تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

للعبادة على جهة الإفراد بداهة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 08 - 2010, 06:20 م]ـ

وعودة إلى سورة الأعراف:

ومن قوله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ):

فذلك جار على ما تقدم من العناية بالبشرية، بأعظم منة ربانية، وهي النبوة، معدن صلاح المعاد والمعاش، فالنبوة مادة صلاح الكون والشرع، فبها تستقيم أمور الروح والبدن، فبعث شعيب، عليه السلام، بصلاح القلوب فـ: يَا قَوْمِ، فذلك من التلطف معهم في الخطاب، مع ما في النداء بـ: "يا" من التنبيه، وهو مظنة الغفلة، فأي غفلة أعظم من غفلة القلوب عن التوحيد: مادة حياتها وصلاحها، فجمع في خطابه بين الترغيب والترهيب، فألان الكلام بنسبتهم إليه فهم قومه، فلا أحرص على هدايتهم ونجاتهم منه، فـ: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)، فتلك حال الأنبياء، عليهم السلام، فهم أحرص الناس على هداية البشر، فهم أعلم الناس بالرب، جل وعلا، الذي أرسلهم، بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة، فلا يقدرها حق قدرها، إلا ذو الهمة العالية فلا تتعلق بسافل، والنفس الشريفة فلا تتعلق بخسيس، وهم أفصح الناس لسانا، فحصل ببلاغهم البيان الوافي لمراد مرسِلهم، جل وعلا، فما أراد إلا توحيده وعبادته، لتستقيم أحوال الأفراد والجماعات، فما خلقوا إلا لعبادته، وتلك أعظم الوظائف وأشرف الصنائع، فـ: (مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وليس إلى الله، جل وعلا، في توحيدهم وعبادتهم حاجة، فـ: (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)، و: "يَا عِبَادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا على أَفْجَرِ قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلكَ مِنْ مُلكِي شَيْئًا"، فما أرسل الرسل عليهم السلام إلا لنفع البشر، فلن تعود عليه منفعة من طاعة، ولن يناله ضر من معصية، فـ: "ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، ويجعلون له أندادا، وهو مع ذلك يعافيهم ويرزقهم"، وذلك من الجور بمكان، فيرزقهم ويعافيهم، ويسمع منهم ما يؤذي، وليس ذلك عجزا منه، تبارك وتعالى عن وصف النقص علوا كبيرا، فأخذه شديد وعذابه أليم، وليس ذلك وصف العاجز بداهة، بل: (لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، فلو شاء بقدره الكوني النافذ، فلا راد لمشيئته، فـ: (لَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، ولكن: (تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، فتمت كلمته الكونية: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، فتظهر بذلك آثار حكمته، التي يغفل عنها عموم البشر، بل عموم المؤمنين، في أعصار الضعف والانحسار، فترد النازلة الكونية بمؤمن مستضعف، فلا يجد إخوته من المؤمنين حيلة لإنجاده، فليس بعد استنفاد الأسباب المشروعة، إلا الدعاء، فسهام القدر الكوني النافذ لا تخطئ من ظلم المؤمن وخذله مع قدرته على إنجاده، فذلك مئنة من رقة ديانته، بل عدمها

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير