تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في أحوال كثيرة، فمادة الحب لأهل الإيمان، والبغض لأهل الكفران، لا يتصور قلبُ مؤمن بغيرها، قلت أو كثرت، فتتفاوت القلوب في مراتب الإيمان بتفاوت قدرها، فيزيد الإيمان بعقدها ويقل بحلها وينعدم بنكثها، بقول أو فعل يدل يقينا على ميل القلب إلى أهل الكفر نصرة ومظاهرة لهم على أهل الإيمان، فلا ينفك عمل الظاهر عن منشئ له في الباطن، فينكث عقد الولاء والبراء في قلبه ابتداء، فيخذل أهل الإيمان بالتحريض على استئصالهم والسعي في إسلامهم إلى عدوهم في الظاهر انتهاء، فالقول يشي بمكنون الصدر، والفعل يفضح ستر القلب، والشاهد أنه في تلك النوازل التي ابتلي بها المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا في الأعصار الأخيرة، سواء على مستوى الأمم كما وقع من خذلان المؤمنين في السنوات الأخيرة لبلاد الأفغان وبلاد الرافدين وغزة، أو على مستوى الأفراد كما يقع الآن من خذلان لآحاد المستضعفين والمستضعفات من المؤمنين والمؤمنات بإسلامهم إلى الكفار، في تلك النوازل تذهل العقول عن وجه الحكمة فلا يرى الإنسان إلا مرارة المصاب، مع ما لتلك النوازل من حكم جليلة، فيميز الرب، جل وعلا، بها الخبيث من الطيب، وترتفع بها درجات المبتلين، وتمحص فيها معادن الولاء والبراء في قلوب المؤمنين، وينتصر أهل الحق للمظلوم قدر الطاقة، ولو بكلمة صادقة أو دعاء حار من قلب يحترق على إخوانه، ويزيد أهل الباطل غرورا يعميهم وظلما يطغيهم، فذلك مئنة من هلاك قريب باستدراج الرب، جل وعلا، لهم بكيد متين، فتلك لحظات احتضار الباطل، فصحوة الموت، وإن طالت، يعقبها الموت فتخمد أنفاس الباطل إلى الأبد، و: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ) ...... إلخ، فتحق كلمات الرب، جل وعلا، الكونية: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، ممن استدرجهم الرب، جل وعلا، بتمكين عارض، والأنبياء، مع ذلك، وهو محل الشاهد: أنصح الناس للخلق، فنصحهم وإخلاصهم من أعظم أمارات العناية الربانية بالنوع الإنساني، فبدأ شعيب، عليه السلام، بالتوحيد فهو أول واجب على العبيد، فما بعده من العلوم والإرادات والأقوال والأعمال فرع عنه، فـ: يا قوم اعْبُدُوا اللَّهَ: فذلك أمر أو هدى، مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ: فتلك العلة أو البينة، فحسن الفصل لشبه كمال الاتصال، فيقدر الذهن سؤالا يدل عليه السياق اقتضاء: وما علة ذلك الأمر، فجاء الجواب عقيبه: لأنه الإله الواحد فلا إله إلا هو، فليس ثم معبود بحق سواه، إذ ليس ثم رب خالق مدبر إلاه، فالكتاب العزيز: هدى بأخباره وأحكامه، وبينات بالدلائل العقلية الدامغة لأي شبهة، فـ: قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ: فنكرت البينة تعظيما، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله، فابتداء غايتها من الرب، جل وعلا، فهي منه: وصفا، إن كانت كلمات شرعية، فالكتاب العزيز، كما تقدم، قد اشتمل على جملة من الدلائل العقلية الناصعة التي لا يجد الناظر فيها غموضا واستغلاقا كذلك الذي يجده في دلائل أهل النظر من الفلاسفة والمتكلمين فلا يكاد يعي دلائلهم إلا آحاد الأذكياء، والحجة الدينية لا تقوم إلا بألفاظ واضحة ودلائل ظاهرة، وتلك طريقة التنزيل الذي أتى على دلائلهم، بل زاد عنها، فلم يزيدوا عنه شيئا، بل ما أصابوا فيه فهو مما وافقوا فيه دلائل التنزيل من الأقيسة العقلية الصحيحة كقياس الأولى في الخبريات، وقياس التمثيل في الحكميات، وهي منه، جل وعلا، خلقا، إن كانت آية كونية كناقة صالح، عليه السلام، فلسان مقال صالح عليه السلام أيضا: (قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً)، فأجمل ثم بين، فابتداء غاية البينة الكونية من الرب، جل وعلا، ابتداء غاية مخلوق من خالقه قدره أزلا وأوجده بكلماته الكونية النافذة، وابتداء غاية البينة الشرعية، ابتداء غاية وصف من موصوفه، فصدرت عنه، جل وعلا، الكلمات الشرعية: أخبارا مشفوعة بدلائلها العقلية، فليس خطاب التنزيل خطاب قانون أو دستور عار عن الأدلة، بل فيه من جملة الأدلة النقلية والعقلية المتعاضدة ما ظهر به يقينا صدق الرسول وصحة الرسالة فـ: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير