تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، فلا يصلح أمر الفرد إلا بعقيدة صحيحة سالمة من الشبهات القادحة، فهي اللبنة الأولى في صرح الإيمان في قلبه فإذا اكتمل علما وإرادة، ظهر ذلك، ضرورة على لسانه وجوارحه، فتوجه الأمر بالتكليف الظاهر بعد رسوخ الإيمان في الباطن، فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ: وهو من وجه آخر بناء لصرح الجماعة المؤمنة بشريعة ملزمة يصلح بها الشأن العام بعد صلاح الشأن الخاص بصلاح القلب بالاعتقاد، واللسان بالشهادة، والأركان بالشعائر، فالوحي يمتاز عن قوانين البشر القاصرة بإصلاحه للفرد في نفسه قبل إصلاح الجماعة بأحكام ملزمة تنتهك في كل مناسبة، فسيادة القانون المزعومة: لا تكفل للمستضعفين حقوقهم، فلا ينتفع بالقانون الوضعي إلا واضعوه من الأقوياء والأثرياء أصحاب النفوذ، وغالبا ما تكون حالهم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)، فالقانون ينتهك استرضاء للأقوياء، وإن نال الضعفاءَ: الضيم في دينهم بفتنتهم فيه، فذلك يصب في قناة خفافيش الظلام من أصحاب الديانات الكهنوتية التي قامت على جملة من الخرافات المقدسة! لا تعدوا في حقيقتها أن تكون طلاسم وتعاويذ شيطانية فـ: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، فكم أبطله من مؤمن مستضعف بتلاوة آي الكتاب العزيز، فـ: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)، فيدافع عنه ويبغض الكفور الذي ظلمه والخوان الذي خذله، أو الدنيا بفتنتهم بتضييق المعايش، فذلك يصب في قناة أصحاب رءوس الأموال في عهود الإقطاع الأول والثاني!، فإقطاع صريح في عصور الظلام في أوروبا الكنسية الملكية، وإقطاع رأسمالي حديث تتكدس فيه الثروات في أيدي شريحة ضئيلة من شرائح المجتمع فتمارس صنوفا من القهر والاستبداد، لغياب حكم النبوات، فـ: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)، فلا أشد على النفس فتنة من طغيان المال والسلطان، فهما قرينان، كما هي الحال في كثير من بلاد المسلمين الآن، فمن أجلهما فرط من فرط في فروع بل وأصول الديانة، فتآمر ذو السلطان الجائر مع أهل الكفران البائن على ضعاف المؤمنين فتنة لهم في دينهم بإفساد عقولهم الحرة التي أبت رق الخرافة، فأبصرت بما امتن الرب، جل وعلا، عليها، من صحة الإرادة والعقل، أبصرت نور النبوة المتصل الإسناد من آدم إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فـ: (لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، فهي مقالة كل نبي لأمته، كما في آي الأعراف، ومن جملتها مقالة شعيب الآنفة الذكر، فالأنبياء إخوة لعلات، فـ: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، فأنى لمن أبصر هذا الضياء أن يرضى لنفسه خطة الخسف فيرجع بإرادته إلى قيد الكفر الذي يرضى به من فسدت إرادته وقل علمه ودنت مروءته، فالحق شريف لا يصلح إلا للمحال الشريفة، فذلكم قياس العقل الصريح، فـ: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)، فطيب الاعتقاد والقول والفعل لطيب المحل الذي زكاه الرب، جل وعلا، بفضله، واصطفاه، وخبيثها لخبيث المحل الذي دساه الرب، جل وعلا، بعدله، فأبعده وطرده من خاصته، فلا يدخل في سلطان ولايته الشرعية وما تقتضيه من النصرة والتاييد بالمعية الربانية الخاصة، معية: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، لا يدخل فيها إلا الطيبون من المؤمنين الذين بذلوا من دمائهم وأموالهم ورياساتهم ما بذلوا ليكون الدين كله لله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير